يتمتع لبنان بمظلة حماية حالت، حتى الآن، دون تنفيذ العدو الإسرائيلي تهديداته التدميرية، رغم أن العديد من المحطات السابقة، خلال السنوات الماضية، شكلت دافعاً وظرفاً ملائماً لترجمة عدوانه الذي طالما لوّح به مسؤولوه. لكن حضور الرد الصاروخي والعسكري لحزب الله في وعي صنّاع القرار السياسي والأمني فرض قيداً مانعاً، وقيدهم ضمن دائرة التردد والانكباح. تبلورت هذه المظلة نتيجة الاستراتيجية الدفاعية والردعية التي اعتمدتها قيادة المقاومة في مواجهة عدو يتفوق على محيطه العربي على المستويين التكنولوجي والعسكري.
للوهلة الأولى، كان يفترض في ضوء التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، الذي يحظى أيضاً بدعم أميركي في كل المجالات، أن يلعب الوقت لمصلحة كيان العدو. لكن تجربة أكثر من عقد من الزمن كشفت أنه كلما مضى الوقت، باتت مفاعيل صواريخ المقاومة أكثر حضوراً في وعي صنّاع القرار والرأي العام الإسرائيلي، حتى باتت تشكل تهديداً استراتيجياً للجبهة الداخلية بكل ما يحمل هذا المفهوم من معان وتداعيات. وتحولت الى كابوس يقضّ مضاجع الخبراء والجمهور على حد سواء، انطلاقاً من إدراكهم بأن وراء هذه القدرات إرادة تامة باستخدامها بأقصى وتيرة تتطلبها مواجهة أي حرب إسرائيلية على لبنان. في المقابل، لم يوفر توزّع المنشآت الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية، التي ستشكل أهدافاً لهذه الصواريخ، على الشمال والوسط والجنوب، أي قدر من الشعور بالحماية والأمان. والسبب أن صواريخ حزب الله القادرة على تدميرها، تطال كل الأراضي الإسرائيلية.
ظن المستوطنون الصهاينة في حيفا وشمال فلسطين المحتلة أن الرعب الذي سيطر عليهم خوفاً من استهداف حزب الله لحاويات الأمونيا في أي مواجهة لاحقة، أصبح وراءهم. بغض النظر عما إذا كان هذا التهديد قد تراجع عما كان عليه، أو لا، عاد هذا الكابوس مرة أخرى، لكن من بوابة المصانع البتروكيميائية الموجودة في حيفا، بعدما قرر ثلاثة من العلماء بالصواريخ كانوا ينتمون الى هيئة تطوير وسائل القتال، «رفائيل»، كسر جدار الصمت في قضية هي الأكثر حساسية في دولة إسرائيل. وحذروا من أن تعرض هذه المصانع لصاروخ واحد من حزب الله أو سوريا، كفيل بأن «يطير» نصف مليون إسرائيلي من منازلهم، وغيرها من المخاطر المرعبة.
على خلفية الأصداء التي تركها كشف هؤلاء الخبراء، اعتبر معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «معاريف»، ران أديليست، أنه رغم الثناء الكبير الذي يطلقه السياسيون على حصانة الجبهة الإسرائيلية الداخلية، إلا أنه ليس واضحاً كيف ستكون ردة فعل الجمهور الإسرائيلي في ظل كارثة كهذه. وتوقف عند تأكيد هؤلاء الخبراء المتخصصين بالصواريخ، في مقابلة على القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أن كل منظومات الاعتراض الصاروخي الموجودة لدى إسرائيل غير قادرة على منع ضربات صاروخية لحزب الله تؤدي الى نتائج كارثية، مثل استهداف المصانع البتروكيميائية في حيفا. وتنبع أهمية المواقف والتقديرات، التي أدلى بها هؤلاء الخبراء، من أنهم بأنفسهم قاموا بتطوير المنظومات الاعتراضية لإسرائيل. وهم من يؤكدون أنها لن تحول دون الأضرار الرهيبة.
وأوضح أديليست أن السبب الذي يدفع المسؤولين في تل أبيب إلى شرح القدرات الاعتراضية لمنظومات «القبة الحديدية» و«العصا السحرية» و«حيتس» يعود الى الخوف من الجمهور الإسرائيلي. لأنه حين يفهم هذا الجمهور بأن استعراضات القوة التي تقوم بها إسرائيل من شأنها أن تؤدي الى تصعيد وإلى إطلاق الصواريخ، قد يتهم الحكومة ويسقطها. ودعا المواطن العادي الى التساؤل، أنه ما دام الوضع إشكالياً الى هذا الحد، لماذا تلعب الحكومة الإسرائيلية بالنار في الشمال والجنوب. ورأى أن الجواب يعود الى الغرور (بأنهم قادرون)، وإلى الجهل (هم لا يفهمون الآثار)، ونتيجة الإحباط أيضاً (بفعل فشلهم في منع الوجود الإيراني في الشمال ومؤشرات الوحدة بين القطاع والضفة).
وأضاف اديليست أن «هناك شيئاً ما ينبغي أن يحصل كي تدرك الحكومة أننا لن نسير كالخراف الى معركة إضافية تقودنا إليها». ولفت الى أن «من يعتقد بأننا سننتصر إذا ما قتلنا ودمرنا أكثر من القتل والدمار الذي سيلحقونه بنا، فليتذكر أنه في كل حروب الماضي التي انتصرنا فيها، دفنّا أمواتنا وعدنا الى الجولة التالية». وعن الخيار البديل أمام الكيان الإسرائيلي، أكد اديليست أن السبيل الوحيد لتعطيل هذا التهديد هو الوصول الى تسوية رسمية لوقف النار مع سوريا وحزب الله وإيران، مشيراً الى أن رفض حكومة إسرائيل لأي تسوية، يشكل اعترافاً مهيناً بفشل سياستها في مقابلهم. ونتيجة ذلك، «من المريح للحكومة أن تُبقي الشمال والجنوب في أجواء الحرب وميزان الرعب الهش الكفيل بأن يجرّنا الى حرب أخرى، ولعل هذا هو بالضبط ما تريده».