تضيق السبل بوزير الاتصالات جمال الجرّاح، مع ارتفاع الأصوات المطالبة بكشف حقيقة مع يحصل في الوزارة من تفكيك وإنهاء لواحد من موارد الدولة الرئيسية، وهو قطاع الاتصالات وهيئة أوجيرو، لحساب الشركات الخاصّة.
ولأن الكثير من المعلومات والتفاصيل كشفها النواب في لجنة الاتصالات النيابية قبل يومين، ولم يستطع الجرّاح الإجابة عن الاستيضاحات والأسئلة، وجد أن نقل المعركة إلى السياسة يُكسِبُهُ شعبيّاً ويحوّل مسار المعركة من واجب النواب في مراقبة عمل الوزارات ومكافحة الفساد، إلى معركة سياسية، مع إشارته ببيان أمس إلى أن ما يحصل هو «بعد اجتماعات في حارة حريك». ولم يكتفِ الجرّاح، في بيان آخر قبل يومين، بالهجوم على نواب اللجنة وعلى دور المجلس النيابي، بل عمد أمس إلى تسمية رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله، بهدف التفلّت من الرقابة البرلمانية وشلّ عمل اللجنة. وتعمّد الجراح التصويب على فضل الله، بسبب لقاءات عقدها رئيس اللجنة النيابية في مكتبه في مقرّ كتلة الوفاء للمقاومة مع ممثلين عن شركة «GDS» بناءً على رغبتهم وبعد طلبات متكرّرة، ومع مدير عام «أوجيرو» عماد كريدية بناءً على طلبه أيضاً، بعد أن اتهمه الجرّاح بهدر المال العام في أوجيرو، وعاد وتراجع عن اتهامه بضغط من الرئيس سعد الحريري. وتناسى وزير الاتصالات أن مكتب النائب في مقرّ «الكتلة» مثله مثل مكتبه في مجلس النواب، وأن نوّاب «الكتلة» يستقبلون السفراء والمسؤولين في مكاتبهم، وبينهم زملاء للجراح في تيار المستقبل.
وقال الجرّاح في بيانه «أعتقد أن معرفتنا بأصول العمل البرلماني وعمل اللجان يفوق بكثير غيرنا من الزملاء». وسأل «لكن هل بات التشهير والافتراء وتحوير الحقائق من أصول العمل البرلماني؟ هل أصبح هناك فرع جديد للمجلس النيابي في حارة حريك يحتوي على غرف للتحقيق على طريقة المخابرات يستدعى اليه رجال الاعمال والمديرون العامون ويوضعون في غرف منفصلة وتحوّر أحاديثهم؟».
وردّ مكتب فضل الله بالقول إن «من المؤسف أن يكون وزير الاتصالات لا يعرف مهام اللجان النيابية، علماً بأنه نائب في المجلس، ومن هذه اللجان لجنة الاتصالات المعنية بالرقابة على أداء وزارته»، مؤكّداً أن «من حق النواب طرح ما لديهم من معلومات ومستندات، والذي سمّاه الوزير تشهيراً، مع أنه أعطي المجال الكافي للإجابة عن أسئلة السادة النواب حيال ما اعتبروه هدراً للمال العام، وتجاوز الوزير لصلاحياته بإصدار قرارات تحتاج الى قوانين». وأضاف فضل الله أن «ما يثير الاستغراب عدم معرفة وزير الاتصالات بأن أيّ مواطن له حق تقديم إخبار للقضاء، فكيف إن كان نائباً عن الشعب كله، مع العلم بأن عدداً من النواب الذين حضروا الاجتماع أصرّوا على وضع ما قيل في اللجنة في عهدة النيابة العامة المالية، وأن ملف أوجيرو تحت نظر النائب العام المالي منذ الاتهام الذي وجهه وزير الاتصالات لمدير عام الهيئة بهدر المال العام».
غير أن دعوة النيابة الماليّة للتحرك لم تلبث أن تحوّلت إلى واقع، إذ علمت «الأخبار» أن النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم سيطلب من رئيس مجلس النواب نبيه برّي الحصول على محضر جلسة لجنة الاتصالات النيابية الأخيرة لمتابعة ما ورد فيها من معطيات ومعلومات، وأن برّي خلال لقاء الأربعاء النيابي طالب اللجنة النيابية بالاستمرار في عملها ومتابعة الملف حتى النهاية. وعلمت «الأخبار» أيضاً أن إبراهيم الذي يتابع التحقيق في اتهام الجرّاح لكريدية، استمع إلى عدد من الموظّفين في «أوجيرو»، وترجّح مصادر نيابيّة أن يكون بينهم مدير التدقيق الداخلي أحمد رملاوي، وكان من المفترض أن يستمع مجدّداً إلى كريدية، إلّا أن الأخير طلب أن يؤجّل الجلسة مع إبراهيم أسبوعاً بداعي السفر، واستجاب إبراهيم لطلبه.
ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ بدأ عددٌ من النواب بالسؤال عمّا إذا كان صائباً أن تقوم وزارة المال بصرف الاعتمادات اللازمة للبرنامج الذي اقترحته وزارة الاتصالات، وخصّصت على أساسه اعتمادات مالية لها. ويقول أكثر من نائب لـ«الأخبار» إن «على وزارة المال وقف صرف هذه الاعتمادات الآن، طالما أن الوزير نفسه اتهم مدير عام أوجيرو بسرقة المال العام، وأن هناك معلومات خطيرة تتكشّف تباعاً عمّا يحصل في الوزارة ولا بدّ من توضيح الأمور قبل صرف المال الذي لا يُعرف إن كان سيهدر أو سيدفع في المكان الصحيح».
من جهة ثانية، عقد المجلس التنفيذي لنقابة عمّال «أوجيرو» اجتماعاً أمس، وقرّر رفض قرار الجرّاح الذي «وهب بموجبه قطاع الاتصالات إلى الشركات الخاصة»، وشكر لجنة الاتصالات النيابية على موقفها، مستنكراً «سياسة التضييق المالي على هيئة أوجيرو من قبل الوزير من دون أي مبررات»، وطالب بالمسارعة في إنشاء «ليبان تيليكوم». كذلك دعا المجلس التنفيذي إلى جمعية عمومية لكافة عمال الهيئة صباح الخميس المقبل. من جهتها، نفت «أوجيرو» في بيان لها ما ذكرته النقابة عن «تضييق على الهيئة من قبل وزير الاتصالات»، مؤكّدةً أن «الردّ على هذا الكلام هو المشاريع التي تنفذها الهيئة والتي ستقوم بتنفيذها»، مثل «تمديد شبكة ألياف ضوئية في الحمرا والأشرفية، ثم راس بيروت، العدلية، بدارو، فرن الشباك، المزرعة وبير حسن، على أن تتضمن المرحلة الثانية تركيب موزعات خارج المدن الكبرى، وكذلك تلزيم مشروع استبدال المقسمات، واستبدال الشبكة الهوائية بشبكة هاتفية».