«دعم الفوائد» هو «المزراب» الجديد الذي فتحه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لفرش مئات المليارات تحت أقدام المصارف وكبار المودعين، بعد الهندسات المالية المنفذة في 2016 و2017. الذريعة لتبرير هذا الدعم هي حماية الليرة من موجة الطلب على الدولار التي بدأت بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في الرابع من الشهر الجاري واحتجازه في السعودية مع عائلته.
فقد تبلّغت المصارف من سلامة، في اللقاء الشهري الذي عقد أول من أمس في حضور نواب الحاكم وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، «استعداد مصرف لبنان لتحمل الكلفة الإضافية للفوائد التي قد تترتب على المصرف في حال حافظ المودع على الوديعة بالليرة عند استحقاقها لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر».
وبحسب مصادر مصرفية مطلعة، فإن مزراب سلامة غير قابل للضبط شأنه شأن كل آليات الدعم التي انطوت على هدر للمال العام، فضلاً عن الكلفة الكبيرة لمواجهة الطلب على الدولار في ظل محدودية الإجراءات المتخذة منذ بداية الأزمة (منع حسم السندات، الدفع الفوري لشراء الدولار، منع تحريك الحسابات المجمّدة). وتوضح المصادر أن الحاكم أوعز الى مديرية العمليات المالية بأن تدفع للمصارف 3% على كل وديعة تتمكن من إبقائها مجمّدة لثلاثة أشهر، في ظل صعوبة التأكّد من وجود استفادة غير مشروعة من الدعم بسبب خضوع الودائع للسرية المصرفية.
وبحسب محضر اللقاء الموزّع أمس والذي يحمل الرقم 412/2017، جاء عرض سلامة في سياق نقاش التطورات في السوق النقدية. وأشار المحضر إلى أن النقاش تركّز حول التطورات في أسواق النقد، «وشدّد الحاكم على استمرار سياسة تثبيت الليرة وعلى قدرة مصرف لبنان بما لديه من إمكانات على حماية سعر صرف الليرة. وأكد على هذه السياسة في الاتصالات التي أجراها مع رئيس الجمهورية (ميشال عون) ودولة الرئيس (نبيه بري)، كما أكد بنتيجة الاتصالات التي أجراها أو تلك التي تلقاها من الجهات الخارجية، بما فيها خصوصاً الجهات الأميركية، حرصها جميعاً على عدم تعريض الاستقرار في لبنان لأي اهتزاز، ورأى أنه لم تخرج أموال تذكر خلال فترة الأزمة».
وأضاف المحضر أنه «يُستخلص من النقاش المطول في شأن الأوضاع القائمة في سوق القطع والفوائد، ثلاثة أمور نأمل أن تدرسها المصارف جيداً وأن تتصرف على أساسها:
ــــ أولها أن مصرف لبنان لن يجري عمليات حسم لسندات الخزينة مع المصارف، وتعلم المصارف أن مثل هذه العمليات قد توقف منذ 2005 /2006. ولاحظ سلامة أن المصارف أقرضت أكثر من 80٪ من ودائعها بالليرة في أواخر 2016 وطيلة 2017 ما خلق فجوة في الآجال.

للقرار تبعات خطيرة، فمع
الوقت ستبدأ المصارف برفع
أسعار الفوائد على التسليفات والقروض بالليرة


ــــ ثانيها أن مصرف لبنان على استعداد لتحمل الكلفة الإضافية بالفوائد التي قد تترتب على المصرف في حال حافظ المودع على وديعته بالليرة اللبنانية عند استحقاقها، لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر. ويمكن للمصارف أن تراجع بهذا الخصوص مديرية العمليات المالية في مصرف لبنان للاتفاق معها على آلية مساهمة مصرف لبنان في الكلفة الإضافية لكل مصرف. بكلام آخر شجع الحاكم المصارف على توسيع هوامش الفوائد بين الدولار والليرة، وشدد على ضرورة التزام مدراء الفروع بتعليمات واضحة من إدارات المصارف لتشجيع منحى احتفاظ العملاء بودائعهم المحرّرة بالليرة، ولمدراء الفروع على هذا الصعيد دور أساسي.
ــــ ثالثها أن المجلس المركزي لمصرف لبنان سيدرس في جلسته المقبلة موضوع الغرامات التي نصّت عليها التعاميم والإجراءات المعمول بها في ما خص تجاوز مراكز القطع العملانية في اتجاه تخفيفها والتعامل الملائم مع التجاوزات ما يسمح للمصارف باتخاذ مراكز قطع مكشوفة ومؤقتة، ويصب هكذا تدبير في استقرار سوق القطع».
إذاً، المصارف لن تدفع قرشاً واحداً للمساهمة في الحفاظ على الاستقرار النقدي، بل ستتلقى «هدية» من مصرف لبنان على السلوك المتهوّر الذي قامت به من خلال توظيف 80% من أموالها بالليرة، فضلاً عن أنه ستكون لديها الفرصة للاستفادة غير المشروعة من آلية الدعم المقرّة.
وخطورة مثل هذا الدعم أنه يؤدي إلى شرعنة السوق السوداء التي بدأت مع انفجار أزمة استقالة الحريري. وهذا الأمر ستكون له تبعات سوقية خطيرة، إذ أنه مع مرور الوقت، ستبدأ المصارف برفع أسعار الفوائد على التسليفات والقروض بالليرة ما سيرفع الأعباء على الاقتصاد المنهك أصلاً بسبب قدرته التنافسية الضعيفة. ولم يقتصر «مزراب» سلامة على دعم الفوائد على الودائع، بل يشمل التساهل مع المصارف التي تجاوزت مراكز القطع، أي أنها خالفت تعليمات واضحة ومحدّدة بوجوب التعامل مع الطلبات على الدولار وفق آلية الدفع الفوري.
وكانت المصارف بدأت برفع اسعار الفائدة على الودائع من دون اذن مسبق من مصرف لبنان. وقدّم بعضها للمودعين فوائد تصل إلى 12% في حال تجميد الوديعة لفترة ستة أشهر. واندفاعة المصارف في هذا الاتجاه متصلة بنقص السيولة بالليرة الذي أصابها خلال الفترة الماضية وارتفاع الطلب على الدولار وبلوغه ٣ مليارات دولار تراكمياً بين 4 تشرين الثاني و20 منه، علماً بأن الطلب لا يزال مستمراً وقد سجّل أمس أكثر من 300 مليون دولار. فيما بلغت أسعار فائدة الانتربنك، أي الفائدة من يوم ليوم بين المصارف، أكثر من 105%.





«ضبضبة» الإنفلاش في سوريا والعراق


أبلغ مجلس إدارة جمعية المصارف حاكم «المركزي» أن المصارف تواجه في سوريا والعراق متطلبات زيادة رساميلها مع نهاية العام ما يرتّب أعباء لناحية خروج العملات من لبنان، بالإضافة إلى مخاطر جراء تحويلها إلى العملات المحلية، وخرقاً للعقوبات الدولية. لذا، تمنّت الجمعية على مصرف لبنان التواصل مع السلطات النقدية في سوريا والعراق لتأجيل التنفيذ نظراً للظروف الصعبة القائمة لدينا ولديهم، إلا أن سلامة «لم يبد رغبته بالتدخل، بل وتساءل ضمناً عن جدوى التواجد في هذه الأسواق».




قلق مصرفي من العرب

يستغرب المصرفيون تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التي أطلقها قبل يومين من اسبانيا بالإشارة إلى أن حزب الله اختطف النظام المصرفي اللبناني. فهذا التصريح يأتي موازياً للتعديلات المطروحة من الإدارة الأميركية على قانون تجفيف منابع تمويل حزب الله والرامية إلى توسيع العقوبات المفروضة على القطاع المصرفي. وبحسب المصرفيين، فإن مثل هذا التصريح يتطلب مواجهة كاملة مع اللوبي السعودي الذي ينشط حالياً لدى الإدارة الأميركية لمنح التعديلات المطروحة زخماً أقوى، بعدما كان الجانب اللبناني قد عمل لأشهر من أجل تخفيف وطأة التعديلات. ورغم «كذب هذا الكلام»، على حدّ تعبير أحد المصرفيين، ورغم أنه «ليست لدى الجبير القدرة على الاطلاع على حسابات المصارف بسبب السرية المصرفية»، إلا أنه يكتسب بعداً أخطر بعد صدور بيان الجامعة العربية الذي ربط بين حزب الله والقطاع المصرفي اللبناني.