ما زالت المرأة اللبنانيّة عالقة بين صفحات كتاب التّاريخ الوطني. لا يظهر لها أي دورٍ يُذكر في الاستقلال عام 1943. كتاب التاريخ يمتلئ بالرجال، وتضجّ «الاحتفالات» بتكريم «الرجالات»، الذين خرجوا من قلعة راشيّا، دون غيرهم. بحثنا كثيراً، لكن التاريخ «أسقط» المرأة من الحدث... «حينها لم يكن للمرأة حق الانتخاب أو المشاركة في العمل السياسي، ولذلك لم يلمع اسم أي امرأة في ذلك الحين»، يؤكّد لنا المؤرّخ مسعود الضّاهر، الذي حاول التأكد من الموضوع، و«فلفش» في مكتبته الغنية، بحثاً عن اسم يبدد الفكرة.
في الواقع، حال المرأة اللبنانيّة لم يتغيّر كثيراً، رغم أنّها نالت الحق بالانتخاب منذ عام 1953. ولبنان أول الدول العربية التي أقرّت هذا الحق. لكن الحق يبقى ناقصاً، أو منتقصاً، إذ لا يزال وجودها في الحياة السياسيّة مُهمّشاً وخجولاً، سواء من حيث التمثيل أو المشاركة في الأحزاب. إذ اقتصرت مشاركتها منذ «قيامة» لبنان «المستقل»، على 10 نائبات و8 وزيرات فقط. انتظر لبنان 61 سنة بعد نيله استقلاله، ليشهد تولي أوّل امرأة منصباً وزارياً، بعد تعاقب 66 حكومة منذ الاستقلال، تفرّد الرجال بكل مناصبها الوزارية في عهد 8 رؤساء جمهورية. حصل ذلك في الحكومة رقم 67 بعد الاستقلال برئاسة الرّاحل عمر كرامي، التي ضمت للمرة الأولى عنصراً نسائياً في طاقمها الوزاري. فعُيّنت السيدة الوزيرة ليلى الصلح حمادة وزيرة للصناعة، لكن المفارقة أنها «ابنة» رياض الصلح، رئيس الحكومة اللبنانية الأولى بعد الاستقلال. والصّلح ليست إلّا نموذجاً عن السياسيّات اللواتي وَصَلْنَ إلى موقعهنّ عن طريق الوراثة.
تعبئة الإناث عبر المنظّمات غير الحكوميّة، وانخراطهن في المجتمع المدني، هو محاولة «على الطريقة الغربية»، لستر تهميشهن في الحياة السياسيّة، بعد الفشل بانتزاع «الكوتا النّسائيّة»، ورفض البرلمان لنظام المُحاصصة (نسبة لا تقل عن 30% كحد أدنى من المرشّحات البرلمانيّات، أي 38 مقعداً). ذلك رغم أن «الكوتا» ليست حلاً، إنما هي «افتعال حلّ».
فيما لبنان، بعد سنوات الاستقلال الطويلة، تراجع اليوم الى المرتبة 181 بين 193 دولة في التصنيف العالمي للدول، على «متغير التمثيل النسائي» في البرلمان لعام 2016. ففي البرلمان اللبناني اليوم أربع نائبات (3% من المقاعد). بهية الحريري، جيلبرت زوين، نايلة تويني، وستريدا جعجع. الحريري هي «شقيقة» الراحل رفيق الحريري. تويني ابنة الراحل جبران تويني وحفيدة الراحل غسان تويني. وجعجع زوجة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع وابنة أخ النائب السابق جبران طوق. وجيلبرت زوين ابنة النائب والوزير موريس زوين.
أما تاريخياً، فقد سجل في تاريخ لبنان 10 نائبات فقط. ميرنا البستاني كانت أوّل نائبة لبنانية انتخبت بالتزكية في نيسان سنة 1963، خلفاً لوالدها النائب اميل البستاني الذي قضى بحادثة تحطم طائرته الخاصة. تلتها نائلة معوّض التي عينت نائبة في المجلس النيابي سنة 1991 عن منطقة زغرتا بعد اغتيال زوجها رينيه معوض. وانتخبت نائبة في دورات 1992 و1996 و2000 و2005. في دورة 1992، فازت مهى الخوري أسعد بالتزكية عن دائرة جبيل (خلال مقاطعة المسيحيين للانتخابات) بعدما بدأت عملها السياسي إثر اغتيال شقيقها غيث الخوري في 1985. كما انتخبت بهية الحريري، شقيقة الراحل رفيق الحريري، نائبة عن مدينة صيدا عام 1992. وفي دورة 1996، فازت نهاد سعيد عن دائرة جبيل بعدما بدأت حياتها السياسية إثر وفاة زوجها النائب انطوان سعيد، وخاضت الانتخابات الفرعية سنة 1965 في وجه العميد ريمون اده وخسرت بفارق مئتي صوت، ونافسته في انتخابات 1968 و1972. وفي دورة 2005 فازت صولانج الجّميّل، هي زوجة بشير الجميّل، بالتزكية عن الدائرة الأولى في بيروت.
على المستوى الوزاري يبدو التوريث أقل تأثيراً. فبعد الوزيرة الأولى ليلى الصّلح، انضمت وفاء الضيقة حمزة الى الصلح في الحكومة نفسها وزيرة لشؤون مجلس النواب. وعُينت ريا الحسن وزيرةً للمالية، ومنى عفيش وزيرة دولة، والقاضية أليس شبطيني وزيرة للمهجرين، ثم عناية عز الدين في الحكومة الحالية. في أغلب الأحوال، السّياسيّات ــ على قلّتهن ــ وصلن لأنّهن إخوة أو بنات أو أقارب لرجال... فمتى تنال المرأة اللبنانيّة «استقلالها» عن الذّكوريّة السيّاسيّة؟