في خطوة وُصف إعلانُها بـ «الاستثنائي»، ناقش المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب «الخطوات الناتجة من استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري». الخبر الذي تناولته وسائل الإعلام العبرية ومهّدت له خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، بلا تعليقات تذكر، يستدعي كثيراً من التأمل. فماذا يعني أن يبحث «الوزاري المصغر» استقالة الحريري والتراجع عنها والخطوات اللاحقة على الاستقالة؟
تستلزم قراءة اهتمام تل أبيب بحدث الاستقالة، و«الخطوات الناتجة منها»، استحضار معطى ابتدائي يتعذر إهماله، وهو أن مناقشات هذا المجلس المختص بالشؤون الأمنية والسياسية، ترتبط بمسائل الأمن القومي الإسرائيلي. ما يعني أن حدث الاستقالة، وتحديداً حدث التراجع عنها، يعد من المسائل التي تستلزم تداعياتها من صنّاع القرار في تل أبيب عرضها على أعلى هيئة قرار، إن باتجاه تقديرها وتقدير تداعياتها وإمكاناتها، أو باتجاه اتخاذ الموقف إزاءها وفقاً لسيناريوهاتها اللاحقة.
بالطبع، استقالة الرئيس الحريري، ومن ثم التراجع عنها، لا تثير اهتماماً إسرائيلياً يصل إلى إدراجها على طاولة الوزاري المصغر. فهي بحدّ ذاتها قد تثير اهتمام إحدى دوائر الخارجية الإسرائيلية في المستويات الأدنى. لكن تداعياتها المفترضة على حزب الله، عدو إسرائيل الاستراتيجي الأول في المنطقة المحيطة بها، يرفع الاهتمام بها إلى طاولة القرار، ويحوله إلى حدث يجري التعامل معه على أنه حدث إسرائيلي بامتياز لجهة دلالاته ورسائله وتداعياته.

مستوى الرهان الإسرائيلي كان
مرتفعاً، وكذلك
خيبة الأمل
وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كما نقلت عنه القناة العاشرة العبرية، بقوله للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في المكالمة الهاتفية التي أعلمه فيها الأخير بأن «الحريري عائد إلى بيروت»: «لا يهمني من يكون رئيس حكومة لبنان، ولا يهمني ما يحدث هناك في السياسة الداخلية. ما يهمني ويقلقني هو تعزيز قوة حزب الله، وعلى جميع الجهات في لبنان أن تعمل على منع تعاظم قوة حزب الله بالسلاح المتطور».
ويحق لنا أن نفترض، أو نؤكد في ضوء التنسيق المتطور بين إسرائيل والسعودية، أن تل أبيب كانت في صورة ما كان يخطط له سعودياً على الساحة اللبنانية، لجهة أن إجبار الحريري على الاستقالة يؤدي إلى تداعيات من شأنها الضغط على حزب الله، بمعنى حصاره مع مسار تصادمي داخلي من شأنه أن يخلط الأوراق والتحالفات من حوله، ويفضي في حد أدنى إلى تقييده. مستوى الرهان الإسرائيلي كان مرتفعاً، إلا أن خيبة الأمل، في موازاته، جاءت أيضاً مرتفعة.
ولا يحمل كثير من صعوبة تقدير ما جرى في المجلس الوزاري المصغر، استناداً إلى تجارب سابقة شبيهة بحالات مماثلة في التعامل مع فشل مُنيت به إسرائيل وحلفاؤها. في حالات كهذه، تعرض الاستخبارات الخطة الابتدائية ومقوماتها ورهاناتها، ومن ثم أسباب الفشل ونتائجه، وكذلك محاولة استشراف المسارات اللاحقة في أعقاب الفشل مع محاولة تحديد الخيارات الإسرائيلية. بناءً على ذلك، لا يبعد أن تكون الاستخبارات قد عرضت أمام الوزراء أسباب فشل المخطط السعودي، الذي جاء مجبولاً من رعونة سعودية وتعقل حزب الله وحكمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. ومن ناحية إسرائيل، الفشل بحد ذاته معطى وحقيقة غير سهلة في مرحلة ضيق الخيارات أمام إسرائيل وحلفائها، كذلك فإن النتائج والتداعيات على مجمل الخيارات والمعادلات، لا تعني العودة إلى ما قبل 4 تشرين الثاني، قبل تلاوة بيان الاستقالة في الرياض، بل إلى تموضعات ما بعد إعلان التريث. والتموضعان مختلفان ويستتبعان فقدان خيارات عملية إسرائيلية أو فقدان جدواها.
بناءً على ذلك، لا يعد فشل مخطط إجبار الحريري على الاستقالة، بلحاظ ما سيليها من استهداف للداخل اللبناني، فشلاً لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان وحده، بل أيضاً إسقاطاً لرهانات إسرائيلية، بصرف النظر عن الآمال التي كانت معقودة عليها بناءً على هذا المسار، وربما أيضاً إسقاطاً لخيارات إسرائيلية لم تعد متاحة، في أعقاب الفشل الحالي. وبات مفهوماً اهتمام المجلس المصغَّر بمسألة استقالة الحريري وما بعد التراجع عنها، في محاولة لتفسير الفشل أولاً، واستشراف نتائجه ثانياً، وثالثاً، وهو الأهم، تداعياته على خيارات إسرائيل اللاحقة.

تحريض يسبق مناقشة الـ1701

إلى ذلك، صدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية بيان «إحاطة إعلامي»، عشية مناقشة تنفيذ القرار 1701، المزمع أجراؤه الأربعاء المقبل في مجلس الأمن، مع التشديد على ضرورة ما سمّاه البيان «تزايد النفوذ الإيراني والوجود المسلح لحزب الله في اللبناني».
ونقلت وسائل الإعلام العبرية أمس، أن «تقرير الإحاطة» عرض صورة الوضع الحالي في جنوب لبنان، بهدف تجنيد الدول المشاركة في اليونيفيل، وحثّها على تنفيذ مهماتها وتفويضها بتصميم وفاعلية أكثر، مشيراً إلى ضرورة التشديد على وجوب التعبير عن تنفيذ المهمات عبر الحضور المتزايد والاستباقي على الأرض، وكذلك في التقارير المحالة على مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
ويرد في تقرير الخارجية الإسرائيلية أنه «ممنوع تجاهل ارتفاع النفوذ الإيراني في لبنان، وتزايد الحضور المسلح لحزب الله في الجنوب اللبناني».