10 آلاف ليرة لبنانية هو ثمن «الحشرية» التي توجّب على كل زائر أن يدفعها لاكتشاف الـ Black Friday Market الذي نظّم بين 23 الشهر الجاري و26 منه، في مجمّع بيال.وهذه المرة الأولى التي ينظّم فيها الحدث في لبنان. لكن الأمر لا يحتاج كثيراً من العبقرية لتكتشف أنها حتماً ليست المرة الاولى (ولن تكون الأخيرة) التي «تاكل فيها الضرب»: 5 آلاف ليرة لركن السيارة، و5 آلاف أخرى رسم دخول الى ما يفترض أنه يُقام ليوّفر على جيوب المستهلكين.

محاولة الاحتجاج لا يملك الموظف على المدخل جواباً عليها سوى القول: «هيك الأمور ماشية»! جواب مقنع في بلد فعلياً «هيك الأمور ماشية فيه» حيث الجميع يدفع دون اعتراض ودون أن يعلم لماذا. أسال ممازحاً «ما في حسم على الدخولية؟ أو جايي محسومة من الأساس»؟.
في الداخل زحمة ناس. ليس الأمر جديداً. الزحمة نفسهأ أساساً، موجودة في الـ«مولات» والمتاجر حتى من دون حسومات. فكيف والحديث يدور عن تخفيضات تتخطى 50% لتصل إلى 90%. الفرق أنك، هنا، تتوقع أن تجد عدداً أكبر من حملة الأكياس والمشترين مقارنة بـ«جماعة الفرجة» الذين يغزون المجمّعات التجارية.
قلّة من الزائرين تدرك، لدى سؤالها، معنى الـ Black Friday وأصل التسمية. من يبالي في الأساس. «يسمّوا شو ما بدهم. المهم الحسومات» على ما يقول أحد «المتسوقين».

الأسعار، في الإجمال،
غير مبهرة وكأنها لم
تخضع لأي حسومات تذكر



عدد العارضين لم يكن كبيراً، وهو ما قد يُعزى إلى أن الحدث ينظّم للمرة الأولى. ملابس نسائية ورجالية، أحذية، مفروشات، سجاد، أدوات كهربائية، ساعات، عطورات، كتب وسيارات. الأسعار، في الإجمال، غير مبهرة حتى لتبدو وكأنها لم تخضع لأي حسومات تذكر. الأمر يدفع إلى التفكير في كيفية سيرورة العمل في لبنان ولماذا يكثر التجار من «النق»، وكيف أصبحت المنتجات التركية، وخصوصاً الملابس منها، جذابة إلى هذا الحد للبنانيين. فإذا كانت الأسعار بعد الحسومات «المفترضة» غير جذابة، فكيف الحال قبل الحسومات؟ وهل من يجد صعوبة في الشراء خلال فترة التخفيضات بمقدوره الشراء في الأيام العادية؟ على هذا المنوال، يرجح أن يستمر «النق» لفترة طويلة. لا الوضع الأمني ولا السياسي ولا أعداد السياح وغيرها هي السبب. هي مجرد عقلية تجارية بالية تبغي الربح المهول بأي ثمن ولو على حساب تكدس البضائع على الرفوف وكسادها.
أحد المتاجر يعرض بدلة رجالية بـ 100 دولار بعد الحسم. جولة بسيطة في شوارع فرن الشباك وعين الرمانة والبسطة والدورة تظهر أن المتاجر في هذه المناطق تبيع البدلة بهذا السعر على مدار العام. متجر آخر يسعّر جاكيت بسعر مليون و600 ألف ليرة بعد تخفيضها من مليون و800 ألف ليرة، وكأن من يقدر على دفع هذا المبلغ يبحث عن حسومات في الأساس!
أعود من حيث أتيت. يسألني الموظف في موقف السيارات لماذا لم أشتر شيئاً. لا ينتظر جوابي، بل يبادر بالقول: «والله هيك أغلب الناس. الكل عم يتفرج وما حدا عم يشتري»... قبل أن يستطرد: «... إلا مخدات». وللأمانة، كان لافتاً عدد الذين يحملون مخدات، على أمل أن يناموا ويحلموا بأسعار أفضل.