ما إن أُعلن اسم القائد الجديد لمنطقة الشمال في قوى الأمن الداخلي العقيد يوسف درويش، حتى احتشد رؤساء بلديات عكار وفاعلياتها لتهنئته، فيما ارتفعت لافتات تُحيّي «رجل الدولة» و«حامي القانون». علماً أن كثيرين ممن ذيّلوا هذه اللافتات بأسمائهم لا يعرفون الرجل ولا يعرفون شيئاً عنه!وعكّار، في ذلك، شأنها شأن مناطق كثيرة.

إذ يمكن تفهّم محاولة البعض التقرب ممن يشغلون مثل هذه المناصب ذات الخصوصية في الأطراف، طامحين إلى غضّ الطرف عن بناء حائط أو تشييد سقف أو حفر بئر، وغير ذلك مما يطمح اليه فقراء تلك المناطق. إلا أن اللافت أن بين «المهلِّلين» أصحاب مصالح متربصون لتحيّن فرصة تمرير فتح مقلع أو التستر على مرملة أو غضّ الطرف عن كسّارة من تلك التي تنهش جبال المنطقة.

تحت عنوان رخصة
بناء لمنزل بمساحة 200 متر مربع، يجري أحياناً حفر جبل بكامله


ومشكلة قطاع المقالع والكسارات والمرامل في عكار ليست فقط في غياب الإطار التشريعي والمخطط التوجيهي والفني، بل تكمن أيضاً في عدم التزام القوى الأمنية ووحدات الدرك تطبيقَ المراسيم والقرارات، واعتمادها سياسة غضّ النظر عن المخالفات، وكذلك في الاحتيال على القوانين عبر فتح مقالع وكسارات ومرامل تحت ستار تراخيص من المحافظ عماد لبكي، بالحفر أو نقل ستوكات أو استصلاح أرض أو تأهيل مواقع. فتحت عنوان رخصة بناء لمنزل بمساحة 200 متر مربع، مثلاً، يجري أحياناً حفر جبل بكامله ونقل صخوره وأتربته! وآخر الأمثلة على ذلك بلدات كروم عرب والحوشب والسويسة، حيث تُسحب الرمول تحت غطاء رخص بناء، ويجري نقلها خلسةً إلى معمل شكا للترابة. ويطمح حاملو هذه الرخص إلى الحصول من قائد المنطقة على إذن يسمح بنقلها علناً.
وتفيد مصادر متابعة لهذا الملف بأن «جبالاً بأكملها تُحفَر وتُنقَل من عكار إلى شكا»، إذ إن عكار معروفة بتربتها المميزة، خصوصاً في منطقتي الأسطوان والدريب الأوسط اللتين تتميزان بتربتهما البازلتية التي يكثر الطلب عليها. وتوضح المصادر أن شركات الترابة تدفع لصاحب الأرض دولارين ثمناً للطن الواحد فقط، أي إن الشاحنة لا يتجاوز سعرها الـ100 دولار، فيما تحقق الشركات أرباحاً خيالية بسبب الحماية التي تتمتع بها هذه المواد من الدولة التي زادت الرسوم الجمركية بنسبة 80% على استيراد الإسمنت.

مسح عام 2014

المسح اليتيم للمقالع والكسارات في عكار أجري في عام 2014، وأظهر وجود 55 مقلعاً ومرملة وكسارة، وأن 31 مقلعاً لا تعمل، إما لعدم حيازتها تراخيص، أو لصدور أحكام بحقها وختمها بالشمع الأحمر. إلا أن المفارقة أن الإحصاء لم يتطرق إلى المقالع العملاقة في سفوح الجبال وفي منطقة وادي جهنم. وبحسب «مجلس البيئة في عكار»، فإن العدد الفعلي «لا يقلّ عن 100 كسارة ومرمل ومقلع».
ويؤكد رئيس المجلس الدكتور أنطوان ضاهر «أن هناك أضراراً مباشرة وغير مباشرة جراء الاستباحة العلنية لأهم المواقع البيئية في عكار»، لافتاً إلى «أن ما يجري في سفوح جبال عكار وعلى الحدود مع الهرمل أو في وادي جهنم وبلدة القمامين الواقعة على الحدود مع الضنية أمر مخيف للغاية». وأوضح أن أعمال الحفر «تسبّب تدمير جبال بأكملها. فالمقالع والكسارات المنتشرة في مختلف أرجاء المحافظة تقضم يومياً آلاف الهكتارات من المساحات الخضراء، ويسبّب غبارها خسائر هائلة في التنوع البيولوجي وفي الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى ما تسبّبه التفجيرات من تصدع في طبقات الأرض وزحل أماكن سكنية وزراعية، وتلوث الهواء والمياه الجوفية والسطحية، جراء المواد المسرطنة التي تُستخدَم في التفجيرات». ودعا الضاهر الدولة إلى تحرير الأسواق والسماح بالاستيراد، لأن ذلك «يساهم حتماً في خفض الأسعار، ويحمي جبالنا ومدننا وقرانا من المخاطر البيئية والصحية». ورأى «أن ضعف وزارة البيئة وغيابها التام عن وضع رؤية أو استراتيجية لحماية ثروة عكار يساهمان في تفاقم الواقع القائم».