وصل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى مرحلة بالغة الخطورة مع استمرار العجز في فرع صندوق المرض والأمومة منذ 2001 وتراكمه ليبلغ 1728 مليار ليرة، أو ما يعادل 1.14 مليار دولار حتى نهاية 2016. فيما لم يتحرك مجلس الإدارة القائم على الولاء السياسي، طوال السنوت الماضية، لاتخاذ قرار يحمي الصندوق وينتشله من الاختلال المالي. علماً أن في إمكان المجلس، مثلاً، أن يقترح على الحكومة رفع الاشتراكات بما يتلاءم مع التوازن المالي في فروعه بالاستناد إلى المادة 66 من قانون إنشاء الضمان.
النتائج المالية التي رفعها المدير العام للصندوق محمد كركي إلى مجلس الإدارة، بالاستناد إلى مشروع قطع حساب 2016، تُظهر أن فرع ضمان المرض والأمومة غارق في عجز بنيوي للسنة الـ15 على التوالي، فيما عاد التوازن إلى صندوق التعويضات العائلية. فيما يُمول فرع نهاية الخدمة الذي يشكّل صندوق ادخار أموال تقاعد العمّال عجز فرع المرض والأمومة، وبات للأول في ذمّة الأخير 1.14 مليار دولار.
وجاءت محصلة نتائج فرع ضمان المرض والأمومة على النحو الآتي: في عام 2016 وحده، سجّل الفرع عجزاً بقيمة 533 مليار ليرة، تضاف إلى عجوزات السنوات السابقة منذ 2001، ليبلغ العجز المتراكم 1728 مليار ليرة (1.14 مليار دولار). ونجم العجز عن ارتفاع نفقات الفرع إلى 1335 مليار ليرة مقابل إيرادات بقيمة 802 مليار ليرة.

المرض والأمومة

ورغم الزيادة في إيرادات فرع ضمان المرض والأمومة بنسبة 10.1%، إلا أن النفقات ارتفعت بنسبة 17.5%. ويُعزى هذا الارتفاع إلى زيادة تقديمات أجراء المؤسسات بنسبة 16% (من 867.8 مليار ليرة في 2015 إلى 1006 مليارات في 2016)، والتقديمات للطلاب بنسبة 14.8% (من 10.7 مليار إلى 12.3 مليار)، والتقديمات للأطباء بنسبة 13.3% (من 13.9 مليار إلى 15.8 مليار)، والتقديمات للمخاتير بنسبة 14.6% (من 5.9 مليار إلى 6.8 مليار ليرة)، وزيادة في الفوائد المدفوعة على الإمدادات المالية من فرع نهاية الخدمة بنسبة 49.8% (من 70.8 مليار إلى 106.1 مليار).
وتتوجب لمصلحة الفرع ديون على القطاعين العام والخاص بقيمة إجمالية تبلغ 2340 مليار ليرة. وأبرز هذه الديون هو ما يتوجب على الدولة بقيمة إجمالية تبلغ 1700 مليار ليرة، واشتراكات مترتبة على القطاع الخاص والمؤسسات العامة بقيمة 376 مليار ليرة.

حتى لو سدّد فرع ضمان المرض والأمومة كل التزاماته سيبقى العجز بقيمة 398 مليار ليرة

وفي المقابل، على الفرع التزامات بقيمة إجمالية تبلغ 2738 مليار ليرة، أبرزها الإمدادات المسحوبة من فرع نهاية الخدمة بقيمة 1728 مليار ليرة، وتقديمات مقدرة للمضمونين (فواتير طبابة لا تزال قيد التصفية) بقيمة 400 مليار ليرة، وتقديمات استشفائية (فواتير للمستشفيات بقيمة 600 مليار ليرة).
قد يبدو المشهد في فرع ضمان المرض والأمومة عادياً قياساً إلى حجم التزاماته وما يتوجب له. لكن الخطير في الأمر أنه على افتراض تسديد كل التزامات الفرع وتحصيل كل المتوجبات، فإن العجز سيبقى بقيمة 398 مليار ليرة، وهو مرشح للارتفاع خلال السنوات المقبلة من دون أي قابلية لعودة التوازن المالي. ومن أبرز مخاطر هذا المسار، أن حسابات الفرع باتت رهينة المخاطر السيادية الناتجة عن علاقته مع الدولة اللبنانية التي تشكّل حصّتها من المتوجبات نحو 84%، فيما هناك علامات استفهام كبيرة حول ديون المستشفيات وتقديمات الطبابة التي زادات بنسبة كبيرة.
أزمة صندوق الضمان باتت من ازمة الدولة اللبنانية، وما يعزّز هذا الأمر أن أكثر من نصف إنفاق الضمان مرتبط بعملات أجنبية (دواء، مستلزمات طبية...) مقابل إيرادات بالليرة في مجملها. وبالتالي فإن أي مخاطر نقدية ستؤثّر سلباً على الفرع، وأي ارتفاع في معدلات التضخّم سيؤثّر سلباً على التقديمات وسيزيد العجز، ولا سيما أن العجز السنوي قفز إلى 533 مليار ليرة في 2015، وهذا مستوى مرتفع جداً. كما أن الفوائد المتراكمة على إمدادات فرع نهاية الخدمة أصبحت كبيرة جداً أيضاً، وارتفعت كثيراً وتسارع وتيرتها في السنوات المقبلة سيكون محتوماً، ما يفاقم اختلال التوازن بين النفقات والإيرادات، ويزيد كمية الأموال المسحوبة من فرع نهاية الخدمة لتغطية العجز.
نتائج فرع ضمان المرض والأمومة لا تأخذ في الاعتبار الزيادة في الاشتراكات بمعدل ثلاث نقاط مئوية لتمويل ضمان المتقاعدين. والمشهد سيكون مثيراً أكثر عندما تبدأ تدفقات الإيرادات من هذه النقاط الثلاث بالظهور في موازنة الضمان، وعندما تظهر في مقابلها تقديمات المرض والأمومة. عندها سيكون هناك سؤال وحيد: في أي اتجاه يذهب الضمان؟
النتائج المالية لصندوق التقديمات العائلية والتعليمية مختلفة جذرياً. فقد حقق هذا الفرع وفراً بقيمة 39.7 مليار ليرة في نهاية 2016، ما أدّى إلى خفض العجز المتراكم من السنوات الماضية إلى 274.4 مليار ليرة مقارنة مع 314.1 مليار ليرة في 2015. وتتوجب لهذا الفرع مبالغ مالية على القطاعين الخاص والعام بقيمة 480 مليار ليرة، وعليه التزامات بقيمة 316 مليار ليرة.
أخطر ما في التقرير المالي هو العلاقة بين فرع ضمان المرض والأمومة وفرع نهاية الخدمة. فقد بلغت موجودات نهاية الخدمة، أي مدخرات العمال المجمّعة على مدى السنوات، 12445 مليار ليرة، فيما ديون هذا الفرع لمصلحة ضمان المرض والأمومة باتت تساوي 14% من مجمل الموجودات. لكن حسابات الفرع بشكل عام تبدو منطقية، إذ أن توظيف هذه الأموال يحقق إيرادات سنوية بلغت عام 2016 نحو 365.1 مليار ليرة. وغالبية هذه الإيرادات هي أرباح من الاكتتاب في سندات الخزينة وفي الفوائد المصرفية. وقد حقق الفرع وفراً بقيمة 720.9 مليار ليرة.
رغم ذلك، فإن فرصة التصحيح لا تزال متاحة. إذ أن التقرير يخلص إلى الطلب من مجلس الإدارة اتخاذ القرار المناسب «وفقاً للمادة 66 من قانون الضمان». وهذه المادة تنصّ في فقرتها الثانية على أنه «إذا تبيّن في نهاية السنة المالية نفسها بأن مال الاحتياط لم يبلغ الحدّ الأدنى، فإن مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير العمل وإنهاء مجلس الإدارة، يقرّر رفع معدل الاشتراكات اعتباراً من أول تموز من السنة التي تلي السنة المالية التي تشكو من العجز، بحيث تصبح الاشتراكات كافية لإعادة التوازن المالي ولبلوغ مال الاحتياط الحدّ الأدنى المطلوب في مهلة ثلاث سنوات على الأكثر». كذلك تنصّ الفقرة الرابعة من هذه المادة على أنه «إذا حدثت كارثة وطنية أدت الى عجز بالغ في الصندوق، يمكن الدولة أن تمنح الصندوق مساعدة استثنائية تحدّد على أساس إعادة التوازن المالي من دون زيادة الاشتراكات».