خطا لبنان خطوته الرسميّة نحو تحوّله إلى دولة نفطية، بعدما وافق مجلس الوزراء بالإجماع، في جلسته أمس، على عرض وزارة الطاقة والمياه منح رخصتين حصريتين بموجب اتفاقيتي استكشاف وإنتاج لائتلاف من ثلاث شركات، للتنقيب عن النفط والغاز في الحقلين 4 الشمالي و9 الجنوبي. ولم تتخلّل الجلسة سوى ملاحظات شكليّة حول الرخصتين، فيما انعكس الاتفاق السياسي وسعي القوى للبدء بالخطوة النفطية الأولى إجماعاً من الوزراء على الموافقة.
وقال مصدر وزاري معني لـ«الأخبار» إن «ما حصل في جلسة اليوم (أمس) مهم جدّاً، لأننا استفدنا من الظروف المؤاتية للبنان في ظلّ الاستقرار، لنبدأ استخراج طاقتنا ونضع لبنان على الخريطة النفطية العالمية».
ويقضي الاتفاق بين وزير الطاقة سيزار أبي خليل وتحالف الشركات النفطية بأن يبدأ الحفر لاستخراج النفط والغاز عام 2019، على أن تكون حصة الدولة من الإنتاج بين 60 و70 في المئة في البلوك الشمالي، وبين 50 و60 في المئة في البلوك الجنوبي. إلا أن بدء الحفر، وفي حال أسفر عن كميات تجارية من النفط والغاز، لا يعني بدء جني الأرباح مباشرة. فبحسب مصادر معنية بالقطاع، لن يكون لبنان قادراً على الاستفادة من إنتاج النفط والغاز قبل مرور نحو 5 سنوات على أقل تقدير؛ ففضلاً عن التنقيب والاستخراج، يحتاج الامر إلى بنية تحتية غير موجودة في لبنان، على الشواطئ وفي الداخل، سواء كان الإنتاج للاستهلاك المحلي حصراً، أو للتصدير. وكالعادة، سبق العدو الإسرائيلي لبنان في مجال النفط والغاز. فبعد الاستكشاف والاستخراج، وقّعت حكومة العدو، قبل أيام، اتفاقية مع قبرص واليونان لدرس إمكان إقامة أنبوب بحري لنقل الغاز المستخرج من المياه الفلسطينية المحتلة، ومن قبرص، إلى أوروبا عبر اليونان.

مصدر وزاري:
استفدنا من الظروف المواتية للبنان في
ظلّ الاستقرار


في المقابل، يفتح العمل في الاستكشاف والتنقيب الباب واسعاً امام آلاف فرص العمل للبنانيين، سواء في الشركات نفسها، التي تلزمها الاتفاقات بتشغيل لبنانيين بنسب عالية، أو في الشركات التي تقدّم الخدمات للعاملين في منصات الحفر.
وفي السياق نفسه، جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام المنسق الخاص الجديد للأمم المتحدة في لبنان، بيرنيل داهلر كارديل، المطالبة بضرورة ترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، التي يزعم العدو ملكيته لنحو 800 كلم مربع منها. وأكدت المسؤولة الدولية لبري «أن الامم المتحدة عازمة على متابعة جهودها في هذا الاطار».

سجال «سفارة لبنان» في القدس

من جهة أخرى، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يرمي الى تعديل المادة 6 من القانون الرقم 173 تاريخ 29/8/2011 لجهة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وعلى تعيين القاضي محمد مكاوي محافظاً لجبل لبنان والقاضي كمال أبو جودة محافظاً للبقاع، وعلى تطويع 2000 عنصر لمصلحة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
إلّا أن الجلسة لم تخلُ من سجال عميق بين الوزراء، حول نقطة جوهرية تتعلّق بمدينة القدس، بعد أن تقدّم الوزير جبران باسيل باقتراح إلى الحكومة لإنشاء سفارة لبنان في القدس عاصمة فلسطين، وقال إنه طرح الأمر على الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لتبادل أراض بين لبنان وفلسطين لهذه الغاية، وأن عبّاس وعده بالعمل سريعاً «لتقديم عقار للبنان في القدس الشرقية».
طرح باسيل أثار اعتراض الوزراء علي قانصو وعلي حسن خليل ومحمد فنيش وحسين الحاج حسن. واستبق قانصو الجلسة بالقول إن «القدس لا تُجزّأ». وتابع خلال الجلسة قوله إن «القدس الآن تحت حراب الاحتلال، ولا يمكن للبنان أن يقبل بوضع سفارته تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما أن القدس بالنسبة لنا هي قدس واحدة لا شرقية ولا غربية، وبالتالي علينا أن ننتبه لهذا الطرح وما يحمله». وقال خليل إن «القدس واحدة ولبنان لا يمكن أن يضع سفارته في ظلّ الاحتلال»، كما أكّد من بعده الحاج حسن. وحين دافع الوزير سليم جريصاتي عن طرح باسيل، مقدّماً مداخلة قانونية، مستنداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وكذلك تذكير رئيس الحكومة بمبادرة السلام العربية في بيروت 2002، أكّد فنيش أن حزب الله لم يوافق على المبادرة. كذلك الأمر حيال العودة إلى قرار مجلس الوزراء في 2008 حول تبادل السفارات مع فلسطين، الذي لم يوافق عليه حزب الله. وفي ختام النقاش، جرى التوصّل إلى تشكيل لجنة لمناقشة الأمر، وامتنع وزيرا حزب الله وقانصو عن المشاركة فيها، فيما شارك فيها وزير المال، هدفها دراسة هذه الخطوة بمحاذيرها وظروفها قبل الردّ على طرح باسيل. وقال قانصو لـ«الأخبار» إن «موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي من هذه المسألة لن يتغيّر، بغضّ النظر عن النتائج التي قد تتوصّل إليها اللجنة، لأن هذا الموقف مبدئي».

برّي: الوقت ليس لمواقف الحدّ الأدنى

وعلّق رئيس المجلس النيابي نبيه برّي مساء أمس على اقتراح باسيل، مؤكّداً أنه «يبدو أن نيّة الوزير باسيل صافية من هذا الاقتراح، لكن المثل يقول الجمل بنيّة والجمّال بنيّة والحمل بنيّة؛ فهذا الطرح يصبّ في مصلحة الطرح الأميركي بتقسيم القدس وإضفاء شرعية التقسيم عليها، ونحن لا نوافق عليه. بالنسبة إلينا القدس واحدة عاصمة لفلسطين الموحّدة». وردّاً على سؤال حول موافقة لبنان الرسمي على مبادرة السلام العربية باعتبار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، قال برّي لـ«الأخبار»: «ليس الآن وقت مواقف الحدّ الأدنى. إذا كان الطرح الأميركي والإسرائيلي بهذا السقف العالي، فالأجدر بنا أن نطالب بكامل حقوقنا، أي بالقدس كاملة».
(الأخبار)