أعلن الاتحاد العمالي العام واتحاد النقابات العمالية للمؤسسات العامة والمصالح المُستقلّة والعاملون في المؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل، بما فيها المُستشفيات الحكومية، أمس، استمرارهم في الإضراب المفتوح، احتجاجاً على التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة سعد الحريري، يوم الجمعة الفائت، المتعلّق بآلية تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب (القانون رقم 46 تاريخ 21/8/2017).
هذا التعميم يستثني العاملين في هذه المؤسسات (التي تشمل مؤسسة كهرباء لبنان والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسات المياه والجامعة اللبنانية... إلخ) من الاستفادة من سلسلة الرتب والرواتب، ويقضي بمنحهم ما يُسمّى «غلاء معيشة». كذلك، فإنّه (التعميم) يُلغي التعويض الشهري المقطوع، ولا يُعطي هؤلاء المُستخدمين الدرجات الاستثنائية الثلاث الممنوحة لموظفي الإدارات العامة.
يستند تعميم الحريري إلى أحكام ومواد قانون السلسلة، ولا سّيما المادة 17 منه التي تنصّ على تطبيق أحكام القانون على المؤسسات العامة الخاضعة لقانون العمل ومراكز الخدمات الاجتماعية المُنبثقة من الشؤون الاجتماعية (..)، «أمّا المؤسسات العامة والمصالح المُستقلّة التي لا تستلزم إصدار مرسوم لتعديل سلسلة الرتب والرواتب الخاصة بها، فيتم تعديلها بموجب قرارات تصدر وفقاً للأصول المحددة في قوانينها وأنظمتها الخاصة بما يتوافق مع الأحكام والجداول الواردة في القانون».
تفسيرٌ خاطئ لأحكام القانون؟
أثار هذا التعميم غضب العاملين في هذه القطاعات «المُستثناة» من السلسلة، ما دفعهم إلى إعلان الإضراب المفتوح أول من أمس، وإلى تأكيدهم الاستمرار في الإضراب، أمس، عبر مؤتمر صحافي عقدته الاتحادات المعنية.
هؤلاء وجدوا أن هذا التعميم يُخالف قواعد الإنصاف والعدل «ومبدأ المساواة أمام الأعباء الوظيفية»، على حدّ تعبير رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.
يرى الأخير أن «المُحيطين» بالرئيس الحريري أخطأوا في تفسير القانون الذي ينص بوضوح على أن السلسلة تنطبق على الأُجراء والمُستخدَمين في المؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل والمصالح المُستقلّة، لافتاً إلى جملة من المخالفات القانونية التي ينص عليها التعميم. ودعا إلى إلغائه «فوراً»، كذلك دعا مجلس الوزراء إلى إصدار المراسيم التطبيقية لكل من المؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل والمصالح المُستقلّة والمُستشفيات الحكومية (..) والمُصادقة على السلاسل المُقترحة التي تقدّمت بها هذه المؤسسات والمصالح. من جهة أُخرى، يقول مصدر إداري مُطّلع، إن المادة 17 من القانون حصرت تحويل السلسلة إلى العاملين في الإدارات العامة فقط.

يُلغي التعميم التعويض الشهري للمستخدمين ولا يعطيهم الدرجات الاستثنائية

وعلى الرغم من أن العاملين في هذه المؤسسات العامة ينطبق عليهم ما ينطبق على العاملين في الإدارات العامة من حيث دوام العمل، إلا أنهم سيُحرَمون ــ من وجهة نظرهم ــ بموجب هذا التعميم من الكثير من الحقوق المُكتسبة التي كانت مُكرّسة لهم سابقاً.
يقول رئيس اتحاد المصالح المستقلة والمؤسسات العامة شربل صالح في اتصال مع «الأخبار» إن قانون سلسلة الرتب والرواتب رقم 717 الصادر عام 1998 لم يفصل بين العاملين في المؤسسة العامة والإدارات العامة وكرّس لنا حق الاستفادة من السلسلة. ينطلق صالح من هذه النقطة ليُشير إلى أن التعميم الجديد يخالف القوانين السابقة، كذلك فإنه ينتزع من العاملين حقوقاً كانوا يتمتعون بها. يُركّز صالح على مبدأ أن التعميم لا يُلغي القانون، ويخلص إلى القول إن التعميم يخالف مضمون قانون السلسلة وهدفه من حيث إنصاف العمال، إذ يأتي في سياق تجريد العمال من حقوقهم.
زيادة «وهمية» على الرواتب!
حدّد التعميم، مُستنداً إلى المادة 14 من قانون السلسلة، آلية احتساب غلاء المعيشة التي ستُزاد على الراتب على النحو الآتي:
تنزل من الراتب الشهري 200 ألف ليرة (قيمة الزيادات التي أُقرت عام 2008) وتضاف إلى الشطر الأول بنسبة 100% حتى 400 ألف، على ألّا تقلّ الزيادة عن 375 ألف ليرة و9% على الشطر الثاني
الذي يزيد على 400 ألف ليرة ولا يتجاوز المليون و500 ألف ليرة.
يحتسب الفرق بين المبلغ الإجمالي الناتج من الفقرة السابقة وأساس الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه المستفيد بتاريخ 31/1/2012، ويكون هذا الفرق هو الزيادة التي تضاف إلى أساس الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه بتاريخ 31/1/2012.
يقول الأسمر في البيان الذي ألقاه في المؤتمر الصحفي إن التعميم أعطى المُستخدمين زيادة وهمية كغلاء المعيشة، ثم عاد وطلب حسمها «ما يعني أن النتيجة صفر»!
ينصّ التعميم على الآتي: «تحتسب الرواتب الأساسية إذا كان مستخدمو المؤسسة يتقاضون راتب الشهر الثالث عشر على أساس مجموعة الرواتب السنوية مقسمة على اثني عشر مع وجوب إلغاء الاستفادة من هذا الراتب عند تحويل سلاسل رواتب مستخدمي المؤسسة». يرى الأسمر أن توزيع الدخل الشهري على أشهر السنة وإعادة قسمته على 12 «يعني أن السلسلة ستعتبر نقصاناً في الدخل».




«مراجعة قانونية» لتعميم الحريري

قدّم الاتحاد العمالي العام ما يُشبه «المراجعة القانونية» لتعميم الرئيس سعد الحريري، ولفت إلى أنه يتضمّن مخالفات عديدة أبرزها:
1) مخالفة القانون الدستوري والإداري، إذ أجاز واضع التعميم لنفسه إضافة أحكام غير منصوص عليها في القانون رقم 46/2017، ما يُعَدّ مخالفة من حيث الاختصاص، ولا سيما أن الصلاحية بسنّ القوانين وتعديلها منوطة بالسلطة التشريعية دون سواها.
2) مخالفة القانون الإداري، ولا سيما مبدأ المساواة أمام الأعباء الوظيفية للعاملين في هذه المؤسسات العامة والمصالح المستقلة. فالتعميم المذكور تضمن مخالفة لأصول قوانين وأنظمة المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، إذ إن المادة 17 من قانون السلسلة لم تسمح بالتعدي على الحقوق المكتسبة للمستخدمين والعمال والانتقاص منها، لا بل راعت التمايز الذي يتمتعون به.
3) مخالفة أصول تطبيق القوانين المتعلقة بسلسلة الرتب والرواتب عبر هدم أسس هذه القوانين ومبادئها وفي مقدمتها مبدأ عدم الإضرار بالمعنيين بالسلسلة، خاصة أن ديوان المحاسبة سبق أن أكد في أكثر من رأي له أن الهدف الأساسي من القوانين المتعلقة بتحويل سلاسل الرتب والرواتب يقتضي أن يكون لمصلحة الموظف أو العامل أو العسكري.
4) مخالفة قانون أصول المحاكمات المدنية لجهة تفسير النصوص القانونية، بحيث يقتضي تفسير القانون بطريقة تحدث أثراً يكون متوافقاً مع الغرض منه ومؤمناً التناسق بينه وبين نصوص أخرى على عكس التعميم الذي جاء متناقضاً مع كافة النصوص التي ترعى أصول تطبيق سلاسل الرتب والرواتب.
5) إضافة أحكام متناقضة تجيز للسلطات التقريرية التلاعب على تضاربها تحت عنوان العجز المالي، في حين أن التقصير في الجباية عائد للدولة والحكومة وليس للعمال والمستخدمين، وكذلك إضافة أحكام تغيّر من أسس احتساب الراتب الشهري والانتقال إلى احتساب الدخل السنوي.