في 27 تشرين الثاني الفائت، تلقّى العسكر العاملون والمتمركزون في مستشفى صور الحكومي (تديره وزارة الدفاع) أمراً بإخلائه والتوزع على ثكنة بنوا بركات المجاورة ومراكز عسكرية أخرى في المناطق. كان للقرار وقع الصدمة على الموظفين والعاملين في المستشفى الواقع على مسافة أمتار من حاجز الجيش في مخيم البص، وهو المؤسسة الرسمية الوحيدة في نطاق المخيم الفلسطيني الذي لا سلطة للدولة اللبنانية فيه.
والمستشفى هو الوحيد في لبنان الذي يديره الجيش منذ عام 1967، عندما قرر مجلس الوزراء أن تدير وزارة الدفاع المستشفيات الحكومية في جنوب الليطاني، عملاً بقانون الطوارئ في المنطقة. استمر ذلك حتى استعار الحرب الأهلية عام 1976 ومغادرة الجيش المنطقة، قبل أن يعود إليها عام 1990. وفي 2012، صدر مرسوم جمهوري بـ«إنشاء مؤسسة عامة لإدارة مستشفى صور الحكومي» بناءً على اقتراح وزير الصحة حينذاك علي حسن خليل، من دون أن يعيِّن مجلس إدارة له حتى الآن، فبقيت إدارته (يديره مصطفى جرادي ــــ مدني) تابعة لسلطة المؤسسة العسكرية.
القرار المفاجئ بإخلاء الجيش للمستشفى أثار بلبلة في المنطقة، إذ توقف «صور الحكومي» عن استقبال المرضى. وزاد الأمور سوءاً أن معاملات الاستشفاء على نفقة وزارة الصحة للمرضى في مستشفيات قضاء صور، تنفذ في هذا المستشفى. الاتصالات التي أجراها مسؤولون في المنطقة مع قيادة المؤسسة العسكرية ووزارة الصحة، وتنفيذ عدد من الموظفين اعتصاماً أمام ثكنة صور للمطالبة بعودة الجيش، أثمرت تراجعاً عن القرار بعد يومين ليُستأنف العمل على نحو طبيعي. إلا أن أسباب القرار لم تُحسَم. فقد رجحت مصادر مطلعة أن قيادة الجيش سحبت عسكرها من المستشفى، كخطوة احتجاجية، بسبب «أزمته المالية والتشغيلية». فيما نفت مصادر عسكرية تحدثت إليها «الأخبار» ذلك، وقالت إن المستشفى بعد مرسوم 2012 يديره مسؤول منتدب من وزارة الصحة «فيما تدير المؤسسة العسكرية مفاصل رئيسية فيه». وأوضحت أن التراجع عن القرار «جاء بعد اتصالات نزولاً عند رغبة المواطنين، لأن بقاء الجيش فيه يثير الطمأنينة في نفوس قاصديه، لكونه يقع في مخيم البص».

أقيمت خمسة احتفالات لوضع الحجر الأساس للمبنى الجديد في أمكنة مختلفة!


واللافت أن القرار جاء في فترة شغور منصب المدير العسكري للمستشفى إثر إحالة مديره السابق على التقاعد منذ ثلاثة أشهر. بعده، «عيّن أحد العمداء الأطباء رئيساً بالتكليف، إلا أن وزير الصحة رفض التعيين، مطالباً بتكليف رئيس أصيل (موافقة الصحة شرطية)» بحسب مصادر من داخل المستشفى.
وجود الجيش في المستشفى، بحسب أوساط الموظفين، «لا يشكل ضمانة لأمن المبنى والعاملين فيه فحسب، بل صمام أمان لمنع السرقة والهدر بسبب إشرافه الإداري والمالي عليه». إلا أن الأمن والأمان ليسا كافيين لصمود المستشفى الذي لم يشهد تطوراً منذ بدء العمل فيه عام 1961 كمستشفى ريفي يؤمن الرعاية الصحية الأولية بسعة 40 سريراً (صدر مرسوم إنشائه عام 1955). وكانت الخطط الحكومية التي وضعت قبل الحرب قد لحظت تحويل المستشفى من ريفي إلى وسطي وتوسيعه (100 سرير) لتقديم الخدمات إلى نحو 100 ألف مواطن. إلا أن الحرب حالت دون وضع هذه الخطط موضع التطبيق.
وبحسب المصادر، لا تتجاوز الميزانية السنوية لمستشفى صور الحكومي الـ 500 مليون ليرة في مقابل ما بين مليار وثلاثة مليارات ليرة تحوّل من وزارة الصحة لكل مستشفى خاص في المنطقة بشكل سنوي. وتقضم رواتب الموظفين وأعمال الصيانة والتشغيل معظم المبلغ، فيما بالكاد يكفي ما يبقى لتأمين الحاجيات الأخرى وسداد فواتير الكهرباء والهاتف. وانعكس ذلك على مستوى التقديمات والأدوات الطبية وحداثتها وحجمها من العمليات الجراحية إلى الأشعة والتجهيزات والبطانيات والفرش والأسرة. علماً بأن هبات عدة حصل عليها المستشفى بعد عدوان تموز 2006 تضمنت تجهيز غرفة ولادة وعناية فائقة حديثتين. لكن قلة الإمكانات المادية لم تسمح بتشغيلهما. كذلك يتضاءل الطاقم الوظيفي بالموت أو التقاعد، إذ يبلغ عدد المثبتين في ملاك وزارة الصحة حالياً 27 في مقابل 74 موظفاً وممرضاً معاقداً مع الوزارة. علماً أن المتعاقدين لم يقبضوا رواتبهم منذ أربعة أشهر.
منذ سنوات، ولا سيما مع اقتراب مواسم الانتخابات، تتكرر وعود تشييد مبنى جديد لمستشفى صور الحكومي. خمس مرات نظم حفل وضع الحجر الأساس في أمكنة مختلفة! آخر موقع اتُّفق عليه، وُضع فيه الحجر بالقرب من حسبة الخضر عند مدخل المدينة الشرقي. الصندوق الكويتي للتنمية قدم هبة لتمويل بنائه وتجهيزه. وتعزو مصادر التأخير في بدء الأشغال «إلى إصرار مسؤولين محليين على إدارة الأموال مع المتعهدين، فيما يصر الصندوق على الإشراف المالي والهندسي مباشرة منعاً للهدر».