قبل الحروب الإسرائيلية على لبنان في الأعوام 1978 و1982 و1993 و1996 و2006، كان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر يجتمع في «البئر» (الوصف الإسرائيلي للأماكن السرية التي يعقد فيها الاجتماع) ويقرر إعلان الحرب. في الاجتماع الأخير للمجلس المصغر، في «البئر» أيضاً، كان القرار مخالفاً لكل القرارات السابقة، بدعوتها إلى التهدئة وطلبها تدخل بعض الدول لضبط الموقف.
الأكيد أن إسرائيل تريد الحرب، لكن الأكيد أيضاً أنها لن تسعى إلى الحرب ما لم تعتقد أنها قادرة على حسمها وأنها تملك الإمكانات التي تفوق قدرات عدوها. وعندما تثق بأنها وصلت إلى تلك القدرة، لن تكون بانتظار أي ذريعة. ولأنها كانت تريد الحرب في عام 2006، تذرعت باختطاف الجنديين الإسرائيليين. لكن لأنها لم تكن جاهزة للحرب، لم تردّ على تدمير المقاومة لآلية إسرائيلية وقتل عسكريين في مزارع شبعا، رداً على عملية القنيطرة التي استشهد فيها جهاد عماد مغنية، ولم تقرر الدخول في الحرب عندما أرسلت المقاومة طائرة مسيّرة إلى سماء فلسطين. ما حصل كان مختلفاً تماماً. وإلى جانب الخطط الهجومية، صارت الأولوية لإجراءات دفاعية غير مسبوقة قررتها قيادة المنطقة الشمالية، بعد عمل واسع لفرقة الجليل على الحدود، حددت بموجبه نقاط الضعف التي يمكن لحزب الله أن يستغلها لاقتحام الجليل.
وبالفعل، عمدت إسرائيل إلى تعزيز خطها الدفاعي على امتداد الحدود مع لبنان، وتحديداً في المناطق التي يمكن أن تتسلل منها مجموعات من المقاومة إلى المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود، إضافة إلى إعاقة عمل النيران المباشرة والقناصة. وهذه الإجراءات هي جزء من استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب المقبلة، وتشمل جرف أراضٍ وجعلها «شيارات» بزوايا حادة وبارتفاع ستة أمتار بالحد الأدنى، وحفر خنادق، وصولاً إلى إنشاء جدران إسمنتية، تضاف كلها إلى الإجراءات التقليدية من أسلاك كهربائية وشائكة وأنظمة مراقبة وسواتر ترابية ومجسات حرارية...
كل ذلك كان يجري أمام أعين الجيش اللبناني والمقاومة. ففي بداية عام 2017، قرر العدو إقامة جدار اسمنتي فاصل يتراوح ارتفاعه ما بين ثمانية وعشرة أمتار، على حدود منطقتين؛ الأولى في القطاع الغربي من الناقورة إلى حاجز شلومي بطول 5.8 كلم، والثانية من مسكفعام حتى جدار المطلة القديم بطول 7.5 كلم. وفي حزيران، بدأ العمل بالبنى التحتية للجدار، ولا تزال قائمة حتى اليوم. إلا أن اقترابه من الخط الأزرق جعل لبنان يتحرك سريعاً، انطلاقاً من أن هذا الخط هو خط وهمي مؤقت ولا يمثل الحدود النهائية، أضف إلى أن لبنان متحفّظ على 13 نقطة فيه (الإسرائيليون يقرّون بخلافهم مع لبنان حول 3 نقاط فقط).
في 28 تموز 2017، وجّه منسّق الحكومة لدى اليونيفيل كتاباً إلى قائد هذه القوات، الجنرال مايكل بيري، يعرب فيه عن القلق إزاء خطة العدو بناء الجدار، معتبراً أن ذلك لا يخدم الهدف الرئيسي من الاجتماعات الثلاثية المتمثل في الانتقال من حالة وقف الاعمال القتالية إلى حالة الوقف الدائم لإطلاق النار. وفي الوقت نفسه، وجّه الجيش اللبناني رسالة إلى العدو ضمّنها إنذاراً عالي النبرة، مفاده أنه سيطلق النار على القوات الإسرائيلية التي تقوم بأعمال بناء الجدار، لا سيما بعد رصده انتهاكات متكررة للسياج التقني ومحاولة بناء الجدار في الأراضي المتنازع عليها.
وفي 18 آب 2017، تبلّغ لبنان رسمياً، عبر رئيس جهاز الارتباط في قوات الأمم المتحدة المؤقتة، أن العدو سيقوم ببناء الجدار، وسيكون بنسبة 90 في المئة على السياج التقني أو قبله من جهة الأراضي المحتلة.

وزارة الدفاع تقترح إجراءات تصاعدية تصل إلى إطلاق النار التحذيري... فالاشتباك


في 15 تشرين الأول الماضي، وجّهت وزارة الدفاع كتاباً إلى المجلس الأعلى للدفاع، تقترح فيه اتخاذ الاجراءات المناسبة تصاعدياً وتدريجياً للرد على الخطوة الإسرائيلية، كما يأتي: الشكوى لدى اليونيفل، الشكوى لدى مجلس الأمن والمحافل الدولية، الاعتصام على الحدود، استعمال القنابل الدخانية، إطلاق النار التحذيري... وصولاً إلى الاشتباك (عسكرياً).
وبالرغم من أن المجلس الأعلى لم يناقش هذا التقرير، إلا أنه تم الأخذ بجوهره، في الاجتماع الأخير للمجلس، حيث أُعطي الجيش قراراً سياسياً واضحاً بالرد على هذه الإجراءات، حتى لو اقتضى الأمر الاشتباك مع العدو. كذلك اتّحدت المواقف الرسمية في رفضها بناء الجدار على الخط الأزرق، كونه لا يتطابق مع الحدود مع فلسطين المحتلة، معتبرة أن ذلك يشكّل خرقاً للقرار 1701. أما من جهة حزب الله، فكان الموقف على لسان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، الذي أكد أن الحزب يقف إلى جانب الحكومة والجيش، وأن على الإسرائيليين أخذ تحذيرات الدولة اللبنانية بشكل جدي. وقال إن المقاومة ستقف بحزم إلى جانب الدولة اللبنانية جيشاً وحكومة في رفض أي تغيير في النقاط على الحدود.
يبدو «حزب الله» حتى الآن مرتاحاً للإجراءات الرسمية ديبلوماسياً وعسكرياً، وخصوصاً مخاطبة رئيس الحكومة قائد الجيش في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع بوجوب التصدي لأيّ خرق إسرائيلي للسيادة اللبنانية. يترافق ذلك مع إجراءات ومناورات مستمرة يقوم بها الحزب الذي صار واثقاً من قدرته على اختراق كل حواجز العدو، بما فيها الجدار الاسمنتي، مدركاً أن هذه الموانع سيقتصر دورها في أيّ حرب مقبلة على تأخير العبور لا منعه، لأنه في حال اتخاذ القرار بالدخول إلى المستعمرات، «فإن المقاومة باتت جاهزة وتملك كل الإمكانات، ليس لتسلل أفراد فحسب، بل لتدفق مجموعاتها إلى فلسطين».




الإجراءات الإسرائيلية منذ 2014

كثّفت إسرائيل إجراءاتها الدفاعية على الحدود مع لبنان في نهاية عام 2014، وكان أبرزها الورشة في المواقع الآتية:
- وادي الدلم: أطلقت ورشة هندسية، في 13 كانون الأول 2014، لبناء مانع بزاوية 90 درجة وارتفاع 6 أمتار، وأرفقت ذلك بإقامة ساتر ترابي بطول 25 متراً وارتفاع ستة أمتار، وذلك لعدم وجود انحدار محاذٍ للطريق الحدودي، عند المنطقة المذكورة.
- وادي قطعية: في تاريخ 23 شباط 2015 بدأت أعمال جرف من حانيتا باتجاه وادي قطعية، حيث فُتح طريق وحُوِّل المنحدر إلى شيار بزاوية 90 درجة، مع العلم بأن الأعمال لا تزال مستمرة.
الموقع البحري: في 25 حزيران 2015 عمل العدو على رفع ساتر ترابي بارتفاع نحو ستة أمتار أمام الموقع. كذلك عمل على وضع مكعبات مشبّكة معبأة بأتربة، بهدف منع العبور وسد الثُّغَر وحجب الرؤية عن ثكنة ليمان والطريق الساحلي.
وادي قطمون: بدءاً من شهر أيلول 2015 باشر الجيش الإسرائيلي بتنفيذ مشروع هندسي واسع ضمن وادي قطمون يهدف إلى إنشاء طريق ضمن منطقة واسعة خارج السياج التقني وضمن الخط الأزرق تمتد على مسافة تقدر بنحو كيلومترين.
منطقة أبو دجاج: في 20 أيلول 2015 عمل العدو على جرف الأشجار خارج السياج التقني وصولاً إلى الخط الأزرق، ورُفع ساتر عبارة عن صخور على الخط الأزرق مباشرة بحيث شكل مانعاً لعبور الآليات.
وادي هونين: في شهر تشرين الأول 2015، باشر العدو تنفيذ مشروع هندسي في وادي هونين يمتد في منطقة تقدّر بنحو 500 متر، ويهدف إلى إنشاء عارض اصطناعي عبارة عن شيار يراوح ارتفاعه بين مترين وثمانية أمتار بالإضافة إلى أعمال تسييج ووضع بلوكات إسمنتية ووصلها لتصبح على شكل جدار، بالإضافة إلى حفر خندق مقابل أعمال التسييج.
المحافر باتجاه مسكفعام: في تشرين الأول 2015 بدأت أعمال الجرف في منطقة المحافر على الطريق الحدودي باتجاه مسكفعام، وذلك بمحاذاة الشيار الذي كان موجوداً بالأصل في المنطقة. وتهدف هذه الأعمال إلى ترميم الشيار وتوسيعه. وقد استكمل العدو مخططه في المنطقة في 21 آذار 2016 من خلال مشروع يقضي بوضع عوائق على شكل جدار إسمنتي على الطريق الحدودي في محيط مسكفعام (وصل عدد البلوكات إلى 30).
مثلث شتولا: في 16 شباط 2016 انتهت ورشة تركيب البلوكات الإسمنتية بجانب الطريق الداخلي عند مثلث شتولا، كذلك استُحدِثَت دشمة كبيرة في المكان.
محيط موقع زبدين: في الشهر الأول من عام 2016، انطلقت مقابل قاعدة زبدين ورشة أعمال جرف واقتلاع أشجار زيتون في حرش زبدين.