قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بنحو ثلاث سنوات، ولد لقاء السبت التشاوري في الرابية. ضمّ في بدايته كلّاً من: إيلي الفرزلي، سليم جريصاتي، كريم بقرادوني، عبد الله بو حبيب، حبيب افرام، والزميل جان عزيز ومروان أبو فاضل الذي سرعان ما غادر المجموعة التي اتّسعت لاحقاً بانضمام العميد شامل روكز إليها، بعد تقاعده مباشرة، علماً بأن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ينسب لنفسه «اكتشاف» هذه الخلية الحيوية، يوم كان وزيراً للاتصالات، قبل أن يجعلهم النواة المؤسّسة لجمعية مسيحية مشرقية كان مقدراً لها وراثة اللقاء المسيحي الذي طوي في الأدراج. حتى إن باسيل كان يشارك أحياناً في بعض الجلسات في الرابية... أو يستضيف المجموعة في فيلا اللقلوق.
كان هاجس المتحلقين حول «الجنرال» تمكينه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية. ضخّ المعنويات والأفكار وفتح الأبواب «والتجسير هنا وهناك»، على ما يقول أحدهم. تحقق المراد في نهاية عام 2016 وانتقل العماد الى بعبدا. زاره أعضاء اللقاء في السبت الثاني لتسلمه مهماته، ليتفرق الشمل بعدها. بعضهم بقي إلى جانب «الجنرال» ــ الرئيس، ومنهم من تأمل ودافع وانتظر وعاد خائباً ولا يزال. منهم من حاول أن يجد مطرحاً له، لكن سرعان ما خاب أمله، فيما فضّل آخرون الانسحاب تماماً. الكاسب الأكبر من مجموعة الستة التأسيسية هو سليم جريصاتي الذي يمكنه أن يتبرّأ بعبارة أو شحطة قلم من الانتماء إلى كل هؤلاء، كما فعل في اجتماع تكتل التغيير الأخير الذي طالب فيه بطرد جان عزيز من القصر الجمهوري ومحطة «أو تي في»!
لم يكن لقاء السبت التشاوري إلا نسخة منقّحة لمجموعة من اللقاءات المتفرقة السابقة له، سواء أكانت موسّعة أم مصغرة. دورية الاجتماعات كل يوم سبت، جعلته مرصوداً من الإعلام والإعلاميين.. أعضاء اللقاء كانوا يطمحون بطبيعة الحال إلى أدوار، يكاد كريم بقرادوني وحده من بين هؤلاء، الأكثر تصالحاً مع نفسه، بعدم رهانه على موقع، ولعل أقصى طموحه أن يؤلف كتاباً يوثّق فيه تجربة ميشال عون من القصر إلى القصر. أما ميشال عون، فكان يستأنس بآراء مجموعة لا تنتمي حزبياً إلى «التيار الوطني الحر»، لكنها تمثل مجموعة حساسيات طموحات وتراكم تجارب، فضلاً عن أنها تأتي من مطارح مختلفة. بعضهم متخرّج في مدرسة غازي كنعان. البعض الآخر خاض تجارب حزبية وسياسية، وهناك من تعود أن يكون سلطاناً أكثر من السلاطين. هو «لقاء الباحثين عن دور في كنف الرئيس»، أو «الطامحين بلا أمل»، حسب توصيف أحد المقرّبين من مجموعة السبت.
من القوات اللبنانية انتقل جان عزيز الى قرنة شهوان، التي غادرها بعد خلاف مع النائب ستريدا جعجع يوم كان سمير جعجع يقبع في زنزانة وزارة الدفاع. بدأ يتقرّب تدريجياً من «التيار الوطني الحر» حتى اكتسب ودّ الجنرال وصار إلى يمينه في الرابية. عيّنه مديراً للأخبار والبرامج السياسية في otv ثم مستشاراً رئاسياً. لعب عزيز دوره بقوة، لكنه لم ينجُ من سياسة المحاور داخل التيار، فدُفع الى الاستقالة، ليصبح بعد عام ونيف من الرئاسة خارج قصر بعبدا، وكل مركب «الإصلاح والتغيير».

تمثّل المجموعة حساسيات طموحات وتراكم تجارب، فضلاً عن أنها تأتي من مطارح مختلفة



وإذا كانت مهمات عزيز واضحة، فالأمر لم يكن كذلك بالنسبة إلى السفير عبد الله بو حبيب، الكتائبي المقرّب من الرئيس أمين الجميّل حتى عام 2009 والسفير السابق للبنان في واشنطن. تعرّف الى الجنرال واصطحبه بعد معركة سوق الغرب الى الكونغرس الاميركي ولجنة الامن والشؤون الخارجية. انقطعا عن التواصل، إلى أن عاد بو حبيب الى لبنان وتقرّب إلى عون «عن قناعة بشخصه». طموحه للنيابة (عن المتن) وضع جبران باسيل حداً له. عيّن مستشاراً للشؤون الخارجية بلا مهمات ولا مكتب في القصر الجمهوري، في مبادرة رئاسية شكلت تعويضاً عن مقعد وزاري محتمل، لكنه لم يطل إقامته في كنف الرئاسة، فغادر الميدان بعد تعيين الوزير السابق الياس أبو صعب مستشاراً للمهمات ذاتها. لاحقاً، مُنع حتى من رؤية الجنرال، وصار اليوم متنقلاً بين لبنان وأميركا.
الحال ليست أفضل بالنسبة إلى رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، الذي غادر»القوات اللبنانية» بعد حرب الإلغاء. كان من المتوقع أن يعيّن وزيراً في حكومة تمام سلام ثم في حكومة سعد الحريري، فكان الرهان أن يصبح مستشاراً للرئيس، وعندما لم يحصل ذلك، أمل بفرصة أخيرة بترشيحه عن مقعد الأقليات على لائحة التيار الوطني الحر في الأشرفية، لكن جبران باسيل يتجه إلى حسم المقعد لأحد منافسي أفرام (طوني بانو أو ميشال حبيس).
أما إيلي الفرزلي فهو منظّر العهد والمدافع الشرس عنه. الآتي من رحم الطائف والحضانة السورية لهذا الاتفاق وترجمته في السياسة اليومية. حامل الهم المسيحي باستمرار منذ زمن معركة زحلة وتفجير كنيسة سيدة النجاة. أطاحه تسونامي تيار المستقبل في البقاع الغربي منذ انتخابات عام 2005. صار يبحث عن موقع مسيحي يلبّي طموحه. تواصل الفرزلي مع الجنرال لا يزال قائماً، وكلما اقترب موعد الانتخابات كبر طموحه للترشح عن المقعد الأرثوذكسي في البقاع الغربي، ولكن فرصته ليست وافرة لاستبعاد ترشحه على لائحة المستقبل ــ التيار الحر، فيما ترشحه على لائحة الوزير السابق عبد الرحيم مراد دونه عقبات. طبعاً حظوظه تبدو صعبة، مع اقتناعه بأن «الفيتو» الذي وُضع على توزيره يسري أيضاً على ترشيحه للنيابة، وهو المراهن على رافعة شيعية تترجم في الصناديق بالتزام محدد بالأصوات التفضيلية.
وإذا كان للفرزلي طموح لم يبلغه، في السياسة (وزارة أو نيابة)، علماً بأن تجربة «اللقاء الأرثوذكسي» ومن خلالها «القانون الأرثوذكسي» شكلت أهم رافعة لوصول عون إلى قصر بعبدا، فإن الحظ قد حالف المحامي سليم جريصاتي الذي بدأ مشواره السياسي عندما سلمه الوزير السابق ميشال المر مكتب محاماة نجله الياس المر، لينتقل بعدها الى المجلس الدستوري. تقرّب من الرئيس السابق إميل لحود الذي قرّبه بدوره من حزب الله، وبرز دوره في مواجهة المحكمة الدولية، وهو الذي شجّع شربل نحاس على الاستقالة، ليتبيّن في اليوم التالي أن الوزارة ستؤول إليه... راهن عند تشكيل الحكومة على الفوز بوزارة العدل، فكان الحظ حليفه مجدداً.
أما الوزير السابق كريم بقرادوني فله حكاية مختلفة. فلسفته للقاء السبت تقول «عندما انتخب الجنرال رئيساً قرّرنا أن مهمتنا انتهت. كان رئيس تيار وزعيماً مسيحياً، وصار رئيساً لكل لبنان، فأوقفنا اجتماعاتنا، وكان الاجتماع الوداعي في القصر ثاني سبت بعد انتخابه».
كلّ من شملهم اللقاء قدّم نفسه على أنه الأقرب الى الجنرال، لكن من اطّلع على الأجواء عن قرب يقول: «لا أحد مقرّباً بدليل أن الرئيس لم يقابل أياً منهم إلى ما بعد أربعة أشهر من انتخابه، ثم استقبل كل فرد منهم على حدة».
بضحكة عالية يتلقّف إيلي الفرزلي السؤال عن مصير «خلية السبت». ضحكة توحي بمزيج من الحنين والخيبة. التقدير والعتب وربما أكثر.