بالرغم من أن الترجيحات تشير إلى أن التيار الوطني الحر سيكون مع تيار المستقبل في دائرة البقاع الغربي ــ راشيا، التزاماً بالاتفاق الشامل بينهما، إلا أنه لا يزال ممكناً رؤية العونيين في لائحة تحالف 8 آذار. وفي اجتماع عقده التيار قبل يومين، تقرر الاحتكام إلى نتيجة إحصاء يتم إجراؤه لتبيان التحالف الذي يفيده أكثر، ويضمن له نائبين. لا يبدو «الوطني الحر» محرجاً في تبديل تحالفاته في المنطقة، انطلاقاً من أن عبد الرحيم مراد هو صديق قديم والمستقبل حليف جديد، والطرفان يتفهّمان ظروف المعركة، كما يتفهّمها حزب الله وأمل.
وفيما تؤكد مصادر العونيين أن وجود الفرزلي كحليف في اللائحة هو أمر محسوم، تماماً كما يبدو محسوماً أن يكون عضواً في تكتل التغيير والاصلاح في حال فوزه، فإن عين التيار تبقى على المقعد المسيحي الثاني، أي الماروني، ولديه رغبة في أن يكون المرشح له من الأعضاء المنتسبين إلى التيار. وفيما يجري التداول بأكثر من اسم أرثوذوكسي، دخل على الخط مرشح يصف نفسه بمرشح التقاطع بين العونيين والحريريين هو الدكتور غسان سكاف، مشدداً على أنه أخذ الضوء الأخضر من «المستقبل». لكن وجهة نظر أخرى تحضر هنا: الحزب التقدمي الاشتراكي، ورغم تمسّكه بالنائب الحالي انطوان سعد، شجّع سكاف على الترشّح لقطع الطريق على الفرزلي، انطلاقاً من أن الأخير يشكل أحد أبرز وجوه حلفاء سوريا في لبنان، علماً بأن الحريري لا يبدو متأثراً بهذا المعطى، هو الذي يجلس على طاولة مجلس الوزراء مع الوزير سليم جريصاتي، المنظّر الأول للاقانونية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي للمفارقة، كان جالساً إلى جانبه أيضاً في احتفال البيال لمناسبة ذكرى استشهاد الحريري، ممثلاً رئيس الجمهورية.

صراع على المقعد
الماروني بين المستقبل
والتيار والقوات



كما الانتخابات الأخيرة، يبقى عنوان المعركة بالنسبة إلى «المستقبل» هو إقصاء مراد، إلا أنه في ظل النسبية، فإن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، وإن كان لا يزال للمستقبليين في المنطقة رأي آخر. إحدى أدوات النجاح بالنسبة إليهم هي الإبقاء على النائبين الحاليين، اللذين يفترض أنهما قادران على رفد اللائحة بعدد وازن من الأصوات الشخصية، لا الاستفادة من رصيد المستقبل فقط. فالنائبان جمال الجراح وزياد القادري استطاعا من خلال مقعديهما النيابيين أن يشكّلا قاعدة ناخبة تعتمد بشكل أساسي على الخدمات والعلاقات الاجتماعية، فيما عمد الجراح منذ تسلّم وزارة الاتصالات إلى استغلال موقعه لتعزيز حضوره في منطقته. حتى إنه حين خرج الخلاف بين الجراح والمدير العام لهيئة أجيرو، عماد كريدية، إلى العلن، كانت الخلفية إصرار الوزير على إعطاء الأولوية في خدمات الهيئة لمنطقته دون باقي المناطق. أضف إلى ذلك أن خيار إبقاء القديم على قدمه يُدرس بوصفه أحد الخيارات الأقل كلفة بالنسبة إلى «المستقبل» الذي تدرك قيادته أن عدد الطامحين إلى الحصول على ترشيحه في المنطقة لا يُحصى، واختيار أحدهم دون الآخر يمكن أن يحدث بلبلة في القاعدة الناخبة هو في غنى عنها. مع ذلك كله، فإن غربلة الأسماء لم تنته، وأبرز المحتملين للانضمام إلى اللائحة الزرقاء هو محمد القرعاوي، الذي لا تزال أسهمه مرتفعة بالمقارنة مع المرشحين الآخرين.
عند المنافس الأبزر لـ«المستقبل»، أي مراد، ثقة كبيرة في الفوز، أولاً لأن القانون الأكثري دُفِن، وثانياً لأنه يحافظ على نمط ثابت في الخدمات والعلاقات التي لم تنقطع مع أبناء المنطقة، مستفيداً من مؤسساته ومن انتهاء زمن الحساسيات المفرطة بينه وبين «المستقبل»، علماً بأن زيارته لبيت الوسط منذ نحو عامين أسهمت في كسر حدة الاصطفاف وكذلك فعلت علاقته المستقرة مع السعودية.
بالنسبة إلى المقعد الشيعي، فالنتيجة محسومة لمرشح حركة أمل (الاتفاق بين أمل وحزب الله يقضي بأن يذهب المقعد الشيعي في البقاع الغربي لممثل عن حركة أمل مقابل أن يكون المقعد الشيعي في زحلة لحزب الله). وفيما لا يزال الاسم مجهولاً بالنسبة إلى كثير من الحلفاء والخصوم بانتظار الإعلان الرسمي عن ترشيحات الحزبين، إلا أنه صار شبه محسوم أن يكون المرشح من خارج البقاع الغربي. وتدور الترجيحات حول أسماء «حركيين»، أبرزها محمد نصرالله وجميل حايك وحسين اللقيس.
وائل أبو فاعور يتصرف على أساس أنه ضمن ولاية جديدة في المجلس النيابي، فيما النائب السابق فيصل الداود يأمل أن تخيب التوقعات، في ظل وجوده في لائحة قوية.
أما المقعد الماروني، فيتصارع عليه حالياً كلّ من المستقبل والتيار الوطني الحر والقوات، علماً بأنه على الصعيد الشخصي فإن المرشح الأقوى يبقى النائب (منذ عام 1992) روبير غانم، ويليه المرشح الدائم هنري شديد، إلا أن أياً منهما لن يكون قادراً على مواجهة التحالفات الحزبية منفرداً. لكن إذا ثبت انضمام «الوطني الحر» إلى لائحة المستقبل، فسيكون المقعد الماروني في لائحة مراد من نصيب شديد أو ناجي غانم، على أن يكون المرشح عن المقعد الأرثوذوكسي من آل معلولي، مع ترجيح إبقاء هذا المقعد شاغراً على لائحة 8 آذار لتعزيز فرص فوز الفرزلي على اللائحة المنافسة.
وفيما تراهن القوات على ترشيح منسّق القضاء إيلي لحود، فإن الإحصاءات تعطي عضو المكتب السياسي في التيار الوطني رندلى جبور أفضلية على لحود بين الناخبين المسيحيين. لكن مع ذلك، فإن تيار المستقبل يصرّ على أن يكون المقعد الماروني من حصته، كمقعد يمكن من خلاله أن يعوّض احتمال خسارته لمقعد سنّي. وهو ما يعني عملياً مواجهة احتمال أن يتمثل صاحب أكبر قاعدة شعبية في المنطقة بنائب واحد فقط.
وفي حال تحقق ذلك، فإن المقعد الأرثوذوكسي سيكون من حصة التيار الوطني الحر، وهو مقعد قد لا يكون مضموناً في حال انتقل الفرزلي إلى اللائحة الثانية وحيداً، وإن يبقى هذا الاحتمال ضئيلاً.
كل الترجيحات، وبصرف النظر عن التحالفات، تعطي كل لائحة فرصة الفوز بثلاثة مقاعد، علماً بأن نظرية تجنّب المعركة والسير بالتوافق على قاعدة التحالف الخماسي الذي رُوّج له في بداية المعركة الانتخابية، كان سيصل إلى النتيجة نفسها: مرشح سنّي للمستقبل، عبد الرحيم مراد، إيلي الفرزلي، وائل أبو فاعور، مرشح شيعي من حركة أمل، وآخر ماروني لم يحسم لمن سيكون.
هذه المعادلة لم تنضج لأن ثمة في اللائحتين من يراهن على الحصول على أربعة مقاعد من ستة، فهل يتحقق ذلك؟