«نتمنى لك تجربة عمل إيجابية في لبنان». تقول الجملة الختامية لمُقدّمة «الدليل الإرشادي للعاملات المنزليات المُهاجرات في لبنان»، المنشور على موقع وزارة العمل. لم تصحّ هذه الأمنية على العاملة الأثيوبية التي رمت بنفسها من الطبقة السابعة في أحد المباني السكنية في صيدا قبل يومين.
كما أنها لن تطبق على آلاف العاملات اللواتي يعانين من انتهاكات فاضحة لحقوقهن، باعتراف وزارة العمل نفسها في الدليل نفسه. الدليل ليس جديداً، ويعود إلى عام 2012. لكن، يجب أن يُقرأ مراراً، وبالدهشة نفسها، عاماً بعد عام. يحتاج الدليل إلى دليل. في المبدأ، دور وزارة العمل يتعدى «تبنيها» حملات لمنظمات «المجتمع المدني»، إلى الاجراءات. وفي الواقع، موافقة منظمة العمل الدولية على ما جاء في الدليل، تثير أسئلة كثيرة وملتبسة





«عزيزتي العاملة (...)، من المُتوقّع أن تواجهي بعض الصعاب لجهة نيل حقوقك الواردة في هذا الدليل، أو تواجهي بعض المخالفات التي تتعلّق مثلاً بجواز سفرك الذي قد يتم حجزه، أو بأجرك الذي يجب أن يبدأ احتسابه منذ اليوم الأول لعملك، وحقك في يوم عطلة أسبوعية، والحق في التعويض عن ساعات العمل الاضافية التي تقومين بها. نحن نسعى جميعاً الى تحسين الواقع الحالي لعملك، ونحن على تعاون مع الحكومة اللبنانية لتنظيم إطار عملك وتأمين الضمانات اللازمة لوجودك الكريم في لبنان. ونتمنى أن تُشاركينا هذا السعي لبلوغ النجاح».
هذا ما يرد، حرفياً، في ختام الدليل الإرشادي للعاملات المنزليات المُهاجرات في لبنان، الذي أعدّته وزارة العمل اللبنانية بالتعاون مع مُنظّمة العمل الدولية/ المكتب الإقليمي للدول العربية، وبدعم مالي (سخي طبعاً) من الإتحاد الأوروبي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. الدليل الصادر عام 2012، والمنشور على موقع وزارة العمل بلغات مختلفة (العربية والنيبالية والفيليبينية والبنغلادشية والسيريلانكية والإثيوبية والفرنسية والإنكليزية والمالاغاشية)، يُقرّ على نحوٍ صريح وواضح بوجود انتهاكات كثيرة ستواجهها العاملة لدى وصولها الى لبنان. لكنّه، لا يُقدّم لها أي ضمانات رادعة تُمكّنها من نيل حقوقها وحفظها. حسب الدليل، عليها أن «تتصالح» مع ذلك. وعلى «المجتمع المدني» أن يعترض، وعلى المموّلين الاعتراض، وهكذا. دوامة استغلال عام.
«الدليل» مجرد دليل إلى أن الأمر يتجاوز سوء الفهم. فجُلّ ما يُقدّمه جملة من «النصائح» المتمثلة بالسعي إلى «اعتماد الحوار في حال النزاع مع صاحب العمل» و«اللجوء إلى وزارة العمل لحلّ النزاع حبّياً»، إضافةً إلى تنبيهها من «الهروب» الذي «قد يضعكِ في وضع أشدّ صعوبة أو خطراً من الذي تهربين منه». لم ينتبه أحد لماذا ينتحرن، مثلاً. وأخيراً، يمنح الدليل السحري بعض «الارشادات» المُتمثّلة بالتأقلّم مع «الثقافة اللبنانية» كالانتباه من طرق التواصل مع الرجال نتيجة الاختلاف الثقافي، «فما تعتبرينه إشارة لطيفة وغير ذات أهمية قد تعني رغبتك او استعدادك لإقامة علاقة أكثر جدية (...)». بالنسبة لوزارة العمل، التحرش مثل التبولة، ومثل «الدبكة»: «ثقافة لبنانية». وعلى العاملة طبعاً أن تتصالح، مع التبولة والعرق البلدي، وتحرش الرجال!

«الهرب» أسوأ من سوء المعاملة!

يُناقش الفصل الثالث من الدليل الخيارات المتاحة أمام العاملة في حال واجهت مُشكلة او في حال حدوث نزاع. ضمن هذا الإطار يذكر حالة «الهروب»، ويقول إن هذه العبارة غالباً ما تُستعمل للتحدّث عن عاملة منزلية مهاجرة غادرت منزل صاحب العمل بسبب المعاملة السيئة، عدم دفع الأجر، رغبتها في العمل خارج منزل صاحب العمل لأسباب خاصة، أو لأن العمل لا يُعجبها. واللافت أن الدليل يُنبّه العاملة هنا ويتوجّه اليها بالقول: «تذكّري، إنّ الهرب من منزل صاحب عملك قد يضعك في وضع أشدّ صعوبة أو خطرا من الذي تهربين منه»، ويطلب منها أن «تحاولي مناقشة وضعك مع صاحب عملك سيّما إن كانت المُشكلة تتعلّق بحقوقك».
أين دور وزارة العمل إذا؟ في الفصل الثاني المتعلّق بحقوق العاملة وواجباتها، يذكر بند النزاعات ما يلي:
«إذا تنازعتِ مع صاحب عملك بشأن أمور تخص واجباتك وحقوقك المذكورة في العقد، عليكما توجيه شكوى الى وزارة العمل التي ستعمل على حلّ النزاع ودّياً. في حال عدم حل النزاع، تُحال القضية إلى المحكمة اللبنانية». لكنّ الدليل يعود ليُذكّر العاملة بأن الدعم القانوني كتوكيل محام في لبنان مُكلف «وقد لا تتمكنين من دفع التكاليف»، مُشيرا الى ان هناك عدداً من المُنظمات غير الحكومية الواردة أسماؤها في ملحق قد تساهم في مساعدة العاملة وتقديم هذه الخدمات مجانا. ببساطة، تتنازل وزارة العمل عن سلطة الدولة، وعن سيادتها، وعن دورها، وعن كل شيء، بطيبة خاطر، لما يسميه الدليل «عدد من المنظمات غير الحكومية». وعلينا أن نقبل أن نكون تحت «وصاية» هذه المنظمات، لأن وزارة العمل، في «دليلها»، تصير وسيطاً حبياً بين العاملات وبين الذين يستغلونهن، وبين المجتمع المدني والعاملات.

نظام الكفالة: الحبّ ممنوع!

يُخبر الدليل العاملة، بكل وضوح، أن عملها بصورة قانونية في لبنان يشترط وجود «كفيل» يكون صاحب العمل والمسؤول قانونياً عن إقامتها في لبنان، لافتا الى أن الكفالة هي «الطريقة الوحيدة التي تُمكنك من الإقامة والعمل كعاملة منزلية مهاجرة بشكل قانوني في لبنان». ما لم يقله الدليل في هذه النقطة، بشكل واضح، هو أن نظام الكفالة سيسجن العاملة ويضعها في عبودية شبه تامة لصاحب العمل. لكّن البنود الأخرى المُتعلّقة بـ «سلوك» العاملة وزواجها وحملها في لبنان كفيلة بأن تخلص الى النتيجة نفسها.
في البند المُتعلّق بالسلوك، يُحذّر الدليل العاملة من «التصرّف بطريقة غير لائقة بإمكانها تعريضها وتعريض صاحب عملها الى مشاكل»، على اعتبار انها «تابعة»، حرفيا، له وهو مسؤول عنها.
وفي ما خص الزواج والحمل، يقول الدليل إنه وفقا للدستور اللبناني يحقّ لأي كان الزواج، «لكن في الواقع، يجعل نظام الكفيل حصولك على الزواج رسميا مسألة صعبة ومُعقّدة (...)». ويلفت الى أن العاملة «في حال كانت حاملاً لا يُمكنها الإقامة في لبنان»، ويتم ترحيلها فورا.

بالنسبة لوزارة العمل التحرش «ثقافة لبنانية» مثل التبولة والدبكة وعلى العاملة أن تتصالح معه


اللافت أن الدليل الصادر منذ نحو ست سنوات يذكر أن هناك جهوداً تُبذل لتغيير هذا الوضع، ويطلب من العاملة «أن تكون على علم بها»!، في حين ان كل المعطيات الحالية تُنبئ بأن الأمور تتجه نحو الأسوأ، لعلّ أبرزها حادثة ترحيل 21 عاملة في نيسان الماضي بتهمة الانجاب!

وزارة العمل: نتطلّع الى حلول عملية

العاملون في الخدمة المنزلية مُستثنون من قانون العمل بموجب المادة السابعة منه التي حرمت «الخدم في منازل الأفراد» من الحماية والحقوق التي تتمتّع بها الفئات العاملة الأُخرى. وتتبنّى وزارة العمل، حاليا، حملة «فكروا فيا» التي أطلقتها جمعية «كفى عنفا واستغلالا» مطلع الشهر الجاري، لـ«المُساهمة في إرساء سياسة توعوية للشعب اللبناني حول حقوق العاملات»، وفق ما يؤكد لـ«الأخبار» المدير العام للوزارة جورج ايدا.
ماذا عن المساعي التي تقوم بها وزارة العمل على الصعيد الحقوقي للعاملات؟ وماذا عن مضمون الدليل الذي يُقرّ بالانتهاكات؟ يكتفي ايدا بالتأكيد بأن الدليل «واقعي»، وهدفه إطلاع العاملة على واقع لبنان، لافتاً الى ان نظام الكفالة حالياً هو الحل العملي الأوحد الذي يضمن حق صاحب العمل وحق العاملة في آن. فلنكن واقعيين، لا تملك وزارة العمل «برستيج» منظمة «كفى». تتبنى بدلاً من أن تشرّع. تحيل إلى المنظمات بدلاً من أن تراقب وتقوم بمهامها.




الانتهاكات بالأرقام

40% من أصحاب العمل اللّبنانييّن لا يدفعون رواتب العاملات لديهم في شكلٍ منتظم، بحسب دراسة أعدّتها الجامعة الأميركية في بيروت عام 2016، بالتعاون مع مُنظّمة «كفى عنفاً واستغلالاً» و«الجمعية الدولية لمكافحة الرق»، وبدعم من منظمة العمل الدولية.
وبحسب الدراسة نفسها، فإنّ 94% من أصحاب العمل أفادوا بأنّهم يحتجزون جوازات سفر العاملات، فيما يعمد 22% من أصحاب العمل إلى إقفال الباب حين يغادرون المنزل على رغم وجود العاملة المنزليّة داخله.
وفي عام 2014، خلصت دراسة «بيع الأحلام»، التي أعدّتها «المُفكّرة القانونية» بالتعاون مع منظمة «كفى» الى أن 67% من العاملات يتعرّضن لعنف جسدي وجنسي. كما بيّنت دراسة أعدّتها «كفى» عام 2010 أن 80% من أصحاب العمل لا يسمحون للعاملة بمغادرة المنزل يوم الإجازة، وأن 56% من عاملات المنازل يعملن لأكثر من 12 ساعة يومياً.






1770 عاملاً في الخدمة المنزلية

بلغ عدد الإجازات المُجدّدة الممنوحة للعمل في الخدمة المنزلية في لبنان لعام 2017، نحو 120 ألفاً و362 إجازة، بحسب وزارة العمل اللبنانية. 1770 إجازة منها فقط مُنحت لعمال ذكور في الخدمة المنزلية، أبرزهم من الجنسية البنغلادشية (306) والسيريلانكية (228) والسودانية (119)، في مقابل حصول 118 ألفاً و592 عاملة منزلية على الإجازة نفسها. ما يعني أن أكثر من 98% من الإجازات تُمنح لعاملات أبرزهن من الجنسية الأثيوبية (73 ألفاً و338)، والبنغلادشية (14 ألفاً و666)، والسيريلانكية (5 آلاف و536).






حقوق العاملة وفق عقد العمل

ــــ ساعات العمل: يحق للعاملة أن تعمل بمعدّل 10 ساعات غير متواصلة يومياً، وعلى الأقل 8 ساعات من الراحة المتواصلة ليلاً.
ــــ العطلة الأسبوعية: يوم عطلة في الأسبوع لمدة 24 ساعة تتحمّل خلالها كامل المسؤولية عن تصرفاتها. ويشترط العقد اتفاق العاملة مع صاحب العمل على اليوم الذي تود أخذه كيوم عطلة وعما ستقوم به خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ــــ العطلة السنوية: يحق للعاملة ستّة أيام عطلة سنويا على أن تُعلم صاحب العمل عن الأيام التي ترغب في اخذها كعطلة.
ــــ التواصل مع العائلة: يحق لها الاتصال بعائلتها وأصدقائها وتلقّي الرسائل وإرسالها على أن يقوم صاحب العمل بدفع تكاليف الاتصال الشهري.
ــــ الاجازات المرضية: في حال كانت العاملة مريضة أو مُصابة، يحقّ لها بإجازة مدّتها نصف شهر تتقاضى خلاله راتبا كاملا ونصف شهر آخر تتقاضى نصف راتب على ان يوثّق المرض بتقرير طبي.






الوجبات الغذائية من فوائد العقد

ضمن «عقد العمل: ماذا يقول؟»، يذكر الدليل الفوائد التي تحصل عليها العاملة من عقد العمل الذي توقعه مع الكفيل، ومنها حقها في العمل في بيئة نظيفة، آمنة وصحية حيث تجد الراحة والخصوصية. كذلك حقها في ان تُزوّد بالملابس الملائمة للطقس وبوجبات غذائية كافية تناسب نظامها الغذائي.






احذري السقوط من الشرفة

تحت عنوان السلامة في مكان العمل المنضوي تحت بند «مزيد من المعلومات»، يُنبّه الدليل العاملة من جملة من الممارسات التي قد تقوم بها، كـ «استخدامها الكلوركس مع المياه الساخنة وارتداء قناع لتفادي استنشاق المواد». اللافت هو ان الدليل يقول للعاملة أنه في حال طلب منكِ «تنظيف النوافذ أو الشرفة اتخذي احتياطات إضافية لعدم فقدان التوازن عندما تميلين فوق أو خارج السكّة»!.