سيكون صعباً ومحرجاً للحكومة أن تحمل معها إلى مؤتمر باريس 4 موازنة يبلغ العجز فيها 12000 مليار ليرة. يترك هذا الأمر انطباعاً سلبياً بأن قوى السلطة لم تقم بأي خطوة في مجال الإصلاح المالي، ما قد يعيق حصول لبنان على مساعدات وقروض من الدول المانحة، تبعاً لمنطق المانحين.
هذا الأمر واضح لدى اللجنة الوزارية التي تحاول خفض العجز أكثر من 3000 مليار ليرة، لكن الشكوك تحوم حول إمكان بلوغ هذا الهدف في ظل عدم رغبة قوى السلطة أن تسجّل على نفسها خفض الإنفاق قبل الانتخابات النيابية مباشرة، مخافة أن يؤثر ذلك على الناخبين الذين اعتادوا سخاء السلطة، أو ما يُعرف بـ«الزبائنية السياسية»، خصوصاً في موسم الانتخابات.
حتى الآن، لا منهجية واضحة تحكم عمل اللجنة الوزارية. ما اتفق عليه في اجتماعاتها السابقة، لا يندرج ضمن أي خطّة حكومية ممنهجة، بل هي عملية تقشّف محاسبية بامتياز، لا هدف اقتصادياً أو اجتماعياً لها. باختصار، هي عملية سياسية تراعي رغبات دولية متّصلة بمؤتمر باريس 4، المفترض عقده قبل الانتخابات النيابية.
الهدف المحدّد لخفض النفقات يقوم على مجموعة من الإجراءات التي اتفق على بعضها، وأبرزها البند المتعلق بخفض 20% من الموازنات، باستثناء بنود الرواتب والأجور. وهناك إجراء ثانٍ اتفق عليه، وهو أن تقوم وزارة المال بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بإجراء «سوابات» على ديون بالليرة، مقابل ديون بالدولار بقيمة 6 مليارات دولار بفائدة 1%، ما يمكن أن يخفض كلفة الدين نحو 5 نقاط مئوية وتحويل هذا الجزء من الدين من الليرة إلى الدولار، إلا أن الأرقام لم تنجز في هذا الإطار في انتظار الاتفاق مع مصرف لبنان على السندات التي سيجري استبدالها.
ومن أبرز القضايا العالقة، معالجة موضوع الكهرباء وكيفية إدراجه في الموازنة، سواء الكلفة الناتجة من دعم المحروقات أو الكلفة المتعلقة بزيادة ساعات التغذية عبر العقود مع بواخر الكهرباء، أو الإيرادات التي يمكن أن تتأتى عن زيادة التعرفة في حال التوصل إلى تغذية بمعدل 22 ساعة يومياً.

قيادة الجيش تتعامل بإيجابية مع تعميم الحريري وخصوصاً لجهة خفض ما يسمّى «التدبير رقم 3»


في الواقع، إن موضوع الكهرباء هو من أكثر المواضيع الخلافية بين قوى السلطة؛ فالوزير جبران باسيل صرّح أمس بأنه في حال لم يقرّ مجلس الوزراء خطّة بواخر الكهرباء في جلسة مجلس الوزراء المقبلة، فـ«لن نسير بالموازنة». والموقف نفسه عبّر عنه وزير الاقتصاد رائد خوري أمام اللجنة الوزارية، علماً بأن رئيس الجمهورية ميشال عون كان له موقف مماثل قبل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، ملوّحاً بالكشف عن معرقلي خطّة الكهرباء.
وفي المقابل، فإن الموقف العلني من رفض البواخر لم يعد مقتصراً على حركة أمل والقوات اللبنانية، بل بات يشمل حزب الله الذي أعلن بلسان نائب الأمين العام، الشيخ نعيم قاسم، أن الحزب «مع إنشاء معامل إنتاج لبنانية، لكنهم يضعوننا أمام معادلة إما بواخر أو لا كهرباء، وأتوقع أن تمرّ الصفقة في مجلس الوزراء رغم اعتراضنا». وقال الوزير محمد فنيش الذي يمثّل حزب الله في اللجنة الوزارية «إن موقف الحزب واضح، وهو لن يسير بخطة البواخر».
هكذا تحوّل ملف الكهرباء إلى قنبلة موقوتة تهدّد الموازنة، وهي تضاف إلى قنابل أخرى بدأت مع إحالة الموازنة من وزارة المال إلى مجلس الوزراء؛ ففي الجلسة الأولى للجنة الوزارية، تبيّن أن هناك ملحقاً للموازنة يتضمن زيادة تعرفة الكهرباء. لاحقاً تبيّن أن كلفة دعم المحروقات لمعامل إنتاج الكهرباء وضعت خارج الموازنة، في محاولة لتجميل الحسابات وإخفاء قسم من العجز، ثم كشف عن وجود إنفاق لمؤسسات وإدارات عامة لم يدرج في الموازنة، بل اطّلعت عليه اللجنة الوزارية من وزير المال في إحدى الجلسات، ثم تبيّن أن الأرقام التي تأتي من بعض الوزارات «غير دقيقة»، يقول أحد أعضاء اللجنة.
="" title="" class="imagecache-465img" />
للصورة المكبرة انقر هنا


في ظل هذه المعطيات، باتت الأرقام خاضعة للتغيير ربطاً بما سيتقرر لاحقاً! هذا الأمر يحصل رغم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري حدّد 5 آذار سقفاً زمنياً لإحالة الموازنة إلى مجلس النواب، لتمكين المجلس من إقرارها. الإقرار يتطلب درس الموازنة في لجنة المال والموازنة ثم اللجان المشتركة فالدعوة إلى هيئة عامة لمجلس النواب، وهذا كلّه يجب أن يحصل قبل الانتخابات النيابية خلال شهر آذار، أي قبل موعد مؤتمر باريس 4 المرتقب في مطلع نيسان.
اللجنة أنجزت موازنات الرئاسات الثلاث و5 وزارات، ويبقى لها 16 وزارة، بالإضافة إلى بنود: النفقات المشتركة، احتياط الموازنة، الموازنات الملحقة التي يندرج فيها اليانصيب الوطني والحبوب والشمندر والاتصالات. اللافت للانتباه أنه خلال مناقشة موازنة وزارة الدفاع، أمس، تبين أن قيادة الجيش تتعامل بإيجابية مع تعميم الحريري، وخصوصاً لجهة خفض ما يسمّى «التدبير رقم 3»، الذي يكلّف الخزينة كثيراً.