يستمر الاشتباك السياسي ــ الكهربائي بين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ، لليوم الثالث على التوالي، على مسافة أسابيع قليلة من اشتباك «مرسوم الأقدمية» الذي دام شهرين، وانتهى بلقاء بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي.
السجال يتمحور الآن حول عنوان قديم ــ جديد هو الضريبة على القيمة المضافة في عقد الشركة اليونانية المكلّفة بإنشاء معمل دير عمار 2، والتي يرد ذكرها في قرارين متناقضين لديوان المحاسبة.
السجال غير مبرّر نظرياً في السياسة على أبواب الانتخابات النيابية. حركة أمل لا تبحث عن عنوان لمعركة انتخابية لشدّ عصب جمهورها المتماسك، والتيار الوطني الحرّ إن كان يبحث عن عنوان للمعركة الانتخابية مع غياب العناوين السابقة، فلن ينفعه الهجوم على حركة أمل؛ فالتحالف الانتخابي بين الطرفين، في أكثر من دائرة، وخصوصاً بعبدا، يُسقط الخطابات «التعبوية» غبّ الطلب الشعبي.
وإن كان كلام باسيل في الحلقة التلفزيونية من لوازم الدعاية، فإن كلام وزير الطاقة سيزار أبي خليل بحقّ وزير المال لا يتناسب مع «صلحة بعبدا» ولا مع التحالف الانتخابي، ولا حتى مع الزمالة... في مدرسة أو على ناصية شارع، قبل أن يكون في حكومة. زد على ذلك، أن أبي خليل ردّد، أمس، أمام مستشاريه، أن زمن جمهورية «أنا أبغي... قد ولّى بلا رجعة».
الأخطر من كلّ ذلك، أن وزير المال من جهة ووزراء التيار الوطني الحرّ على المقلب الآخر، يتمسّك كلّ واحدٍ منهم بقرارين حقيقيين صادرين عن الديوان نفسه. فمن يصدّق اللبنانيون؟ قرار ديوان المحاسبة الأول الذي يستند إليه وزير الطاقة أم القرار اللاحق الذي يستند إليه وزير المال؟

باسيل وخليل
يشتبكان... ولا مرجعية تحكم بينهما


بتاريخ 6 نيسان 2013، ورد في قرار لديوان المحاسبة حول مشروع تلزيم أشغال لإنتاج الطاقة الكهربائية في موقع دير عمار ما حرفيّته: «وبما أن الضريبة على القيمة المضافة لم تظهر في أيّ من العروض المالية ولم توضع لها خانة على حدة، ويعود ذلك إلى كون الصفقة ستموّل من مصادر خارجية (كما نصّ عليه قانون البرنامج) وهي معفاة من الضريبة، وأن الأمر لم يكن معلوماً لدى إعداد دفتر الشروط الخاص، وهذا ما أكّد عليه مندوب الإدارة لدى استيضاحه في الديوان، وعليه يرى الديوان أنه من الطبيعي عدم احتسابها ريثما يتقرّر مصدر التمويل نهائيّاً».
أما «مندوب الإدارة»، في النص السابق، فليس سوى أنطوان كعدي، مستشار الوزير باسيل، من دون أن تكون له صفة رسمية. إلّا أن هذا القرار الأوّل يصبّ في مصلحة طرح باسيل، وزير الطاقة وقتذاك، وهو القرار الذي عرضه أبي خليل على «تويتر»، حين فتح «الحرب»، أول من أمس، وقال: «ما أبلغ علي حسن خليل عندما يزوّر الحقائق ويحاضر بالعفة».
بتاريخ 4 أيلول 2014، صدر قرار جديد عن ديوان المحاسبة، يؤكّد ما ورد في القرار الأول، ويشير في متن نصّه إلى أن «احتمال توفير مصادر تمويل خارجي لا يتعارض مع اعتبار أن التلزيم تم على أساس السعر المتضمن قيمة الضريبة على القيمة المضافة، بحيث تتمّ الفوترة لاحقاً في حال التمويل دون الضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي فإن تفسير ديوان المحاسبة يجب أن يتمّ على هذا الأساس».
نام القرار. وفجأة صدر قرار جديد في 26 تشرين الثاني 2015، بطلب تقدم به رئيس الحكومة تمام سلام إلى ديوان المحاسبة. جاءت الفقرة الأخيرة من القرار الجديد على الشكل الآتي: «في حال عدم ذكر القيمة المضافة في خانة مستقلة ومنفصلة تكون داخلة ضمن سعر العارض، وبالتالي محتسبة ضمناً في السعر الأساسي للملتزم المؤقت...».

جريصاتي... والعرقلة

«بكل صدق واحترام لعقول الناس، نسجل بارتياح وامتنان وأسف في آن، إقرار معالي وزير المال بأنه عرقل معمل دير عمار، وبالتالي زيادة إنتاج الكهرباء، وحرم اللبنانيين من خمس الى ست ساعات يومياً كهرباء من مصادرها الأصلية. هذا إقرار نسجله، وعلى كل مسؤول عندما يخطئ أن يعترف بالخطأ، وإن أتى الاعتراف متأخراً. طبعاً، التأخير حصل وكلف الخزينة على أكثر من صعيد، إلا أنه يبقى أن نشير الى ما هو أسوأ، اتهمنا بسرقة الـ TVA. بالله عليكم، علّمونا كيف نسرق الضريبة على القيمة المضافة، فنحن إما جهلة، ولسنا بجهلة، وإما أبرياء، فعلمونا كيف نسرق الضريبة على القيمة المضافة».
أضاف: «تحكيم دولي، نادي باريس للديون المتوجبة على الدولة المتلكّئة عن تنفيذ التزاماتها، والنتيجة المباشرة ليست فقط التحكيم ونادي باريس، بل أيضاً الخسائر الباهظة في كلفة تأمين الكهرباء الأساسية والرديفة، ويكفي الكلام في الكهرباء على أقله اليوم».

خليل لجريصاتي: أضحكني وأحزنني

وقد سارع وزير المال إلى الرد على جريصاتي قائلاً: «أضحكني وأحزنني الى أيّ مستوى يغشّ وزير نفسه والناس باللعب على الكلام. نعم اعترفت بأنني رفضت مخالفة القانون وقرارات أعلى سلطة رقابية، ومنعت هدر 50 مليون دولار. نعم اعترف بأنني عطّلت على البعض العمولات المنظورة وغير المنظورة. نعم اعترف بأنني بقراري فضحت كيف لزّم المشروع بأعلى من سعره، وبملايين الدولارات، على اعتبار أنه سيسلم قبل أسابيع من منافسيه، في وقت لم تسلم الوزارة الموقع إلا بعد أكثر من سنة.
أنا حزين على المضللين في الكتلة والتيار، لأنهم مجبورون على سماع معزوفة الإنجازات الوهمية على لسان صاحب العدل المفترض».
(الأخبار)