هناك جُملة يُردّدها توفيق سلطان، بأنّه «لو طلبوا منّي الترشح إلى الانتخابات البلدية، لكنت توجهت إلى الطرابلسيين مُتعهداً بأمر واحد: أن أعيد المدينة 50 سنة إلى الوراء». كانت تلك طريقة ابن الحزب التقدمي الاشتراكي، والحركة الوطنية اللبنانية، لـ«يتأسف على الحال الذي وصلت إليه مدينته، التي سكنته دائماً»، بحسب أحد رفاقه. يبلغ «أبو راشد» 81 عاماً (مواليد الـ1937)، «ولكنّه في طرابلس يعود ابن 17 عاماً.
يعمل فيها بشغف المراهق. هو الذي لم يعرف يوماً أن يشتغل إلا السياسة». إلا أنّه، قبل هذه الدورة، لم يسبق له أن ترشح إلى الانتخابات النيابية، «وحتماً ستكون آخر مرّة»، يقول لـ«الأخبار». صديق لمعظم البيوتات السياسية اللبنانية، ولكنّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، هو من «فاز» به، وقرّر أن يضمه إلى لائحة تيار العزم في دائرة طرابلس ــ المنية ــ الضنية. حصل ذلك «بعد مخاض طويلٍ»، يؤكد سلطان. وبعد «نقّ» عدد من أصدقائه، كرئيس مجلس النواب نبيه برّي، والنائب وليد جنبلاط، قرر التقدم بطلب ترشحه. ولكنّ سلطان ينفي أن يكون برّي وجنبلاط قد طلبا من ميقاتي تبنّي ترشيحه، «القصة بحت طرابلسية». حُسم النقاش خلال جلسة «مع مجموعة من نُخبة أصدقائي»، ضمّت محسن إبراهيم وفؤاد شبقلو ومحمد بركات وطلال سلمان وأصدقاء آخرين. تحدث أصدقاء النضال الوطني، عن السبب الذي قد يدفع «أبو راشد» إلى الترشح، فوجدوا أنّ طرابلس «مُغيبة سياسياً منذ فترة.

ينفي سلطان
أن يكون برّي وجنبلاط قد طلبا من ميقاتي تبنّي ترشيحه

البعض يعمل لوقت قصير ثمّ يختفي. والبعض الآخر يظهر وقت الانتخابات ثمّ يختفي. حتّى لا نبقى نحن في دائرة النقد فقط، قرّرنا تحمّل المسؤولية».
لم يترك توفيق سلطان ميداناً، إلا ومارس السياسة عبره. البداية كانت من مدرسة المعارف في طرابلس، حيث نشط مع اتحاد طلاب المعارف. ترك المدرسة الرسمية، وتعلّم سنة ونصف سنة في مدرسة عينطورة، «بس ما كنت شاطر». بعد انتهاء الثانوية، انتسب إلى كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية «حين كان مُسجلاً فيها 180 طالباً فقط». لم يطل الأمر، قبل أن «أُطرد من الجامعة بسبب عملي السياسي ــ الطلابي». الجامعة اللبنانية كانت الخيار البديل لسلطان، ولكن لم يتمكن من إكمال دراسته «بسبب وفاة أبي، ثم أخي. أُجبرت على تحمّل مسؤولية العائلة».
بعد النشاط السياسي الطلابي، انتقل سلطان إلى بيروت، وسرعان ما انتسب إلى الحزب التقدمي الاشتراكي «وكنت الوحيد الذي أُرافق كمال جنبلاط صُبحاً ومساءً». نائب رئيس «التقدمي الاشتراكي»، ومسؤول الشؤون العربية في الحزب نفسه، بقي يُمارس دوره إلى حين اغتيال كمال جنبلاط في عام 1977. رافق بعدها وليد جنبلاط، وجيّر له علاقات عربية، حصد معظمها من خلال تجربة الجبهة العربية المساندة للثورة الفلسطينية. تجربة تمكّن عبرها «أبو راشد» من تكوين شبكة علاقات مُتشعبة جداً، تمتد في كلّ الدول العربية.
قبل الـ1982، «كانت هناك حياة سياسية. ولكنّها اختنقت بعد الاجتياح الإسرائيلي». من آثارها المُباشرة عليه، أن يطلب منه وليد جنبلاط تولّي مركز نائب رئيس «التقدمي الاشتراكي»، ويرفضه «بعد أن أصبح كلّ حزب يريد الحفاظ على مساحة مُعينة داخل طائفته. تغيرت المعادلة بعد الـ1982». يُسارع سلطان إلى الإيضاح: «أنا لا أزال عضواً في الحزب التقدمي الاشتراكي، وأُصرّ على أن أبقى فيه وأحضر كل جمعياته العمومية وأشارك كل سنة في إحياء مناسبة السادس عشر من آذار (ذكرى استشهاد كمال جنبلاط)».
في إحدى المرات، أخبر سلطان صديق الملك سلمان أنّ «العمل الفردي في لبنان لا يؤدي إلى نتيجة». تزامن ذلك، مع بروز ظاهرة رفيق الحريري في تسعينيات القرن الماضي، «ومهما كانت الملاحظات عليه، لا يُمكن لأحد إلغاء أنّه قدّم فرصة لاستنهاض البلد». آمن بـ«مشروع» الحريري، وأصبح صديقاً له، «رغم أنّنا في طرابلس لم نستفد منه، إلا في المشروع السكني مُقابل جبل محسن. يومها قلت له: أبو بهاء، لا تُعطهم المال لأنّهم سيصرفونه على أمور أخرى، بل عَمِّر لهم بيوتاً. وهذا ما حصل».
توفيق سلطان شخصية سياسية «فريدة»، بإمكان المرء أن يُصادفه في منزل ميقاتي قبل الظهر، ثُمّ يتوجه إلى بيت الوسط للقاء رئيس الحكومة سعد الحريري ونادر الحريري. صديق «المملكة» يحرص على ممارسة رياضة المشي عند صديقه نبيه برّي، الذي فتح دورة استثنائية في مجلس النواب «بناءً على طلبي من أجل إقرار قانون الإرث الثقافي». يُحافظ سلطان على علاقته مع آل جنبلاط. «وعلاقتي مع كلّ الوسط السياسي جيّدة». حاول في الفترة الأخيرة القيام بوساطة بين الحريري وميقاتي للتحالف انتخابياً «حرصاً على التمثيل السياسي. ولكن المشكلة بهذا القانون، الذي ستنتهي الانتخابات، وقد أربح أو أخسر، ولن أكون قد فهمته بعد».
أبرز أعمال سلطان في طرابلس هو تطوير المرفأ، «وإذا وجدني الناخبون قادراً على إحداث تغيير نوعي، سيقترعون لي... ومن يدري، بعد أن رأيت دولة الرئيس حسين الحسيني بهذه الحيوية، قد نترافق معاً إلى البرلمان».