على نحو مفاجئ وبعد صمت دام أشهراً، طلب مكتب العمل السعودي، وهو هيئة رسمية سعودية، أول من أمس، من موظفي شركة «سعودي أوجيه» إرسال بياناتهم لإكمال ملفاتهم، وذلك بالتزامن مع قرب إصدار أحكام تنفيذية في قضايا الحقوق المالية المرفوعة من قبل الموظفين المصروفين من الشركة، وبينهم المئات من اللبنانيين.
وجاء في التعميم الذي حمل توقيع «فريق العمل في سعودي أوجيه» أن «وزارة العدل السعودية بصدد إصدار أحكام التنفيذ في قضايا الحقوق. لذا، تطلب مكاتب المحامين، بالتنسيق مع وزارة العمل، من جميع موكليها من الموظفين، تزويدها بالمستندات المطلوبة لإكمال الملفات. وعليه، يرجى من جميع المعنيين داخل وخارج المملكة، إرسال صورة عن الهوية / الإقامة وبطاقة البنك ورقم الحساب». اللافت أن عنوان البريد الإلكتروني المطلوب إرسال البيانات عليه هو الآتي: [email protected] ، وهو عنوان تابع لشركة «سعودي أوجيه» نفسها.

تقول أوساط
مستقبلية لـ«الأخبار» إن «أبرز وجوه حرص السعودية على الحريري يظهر في تسوية ملف سعودي أوجيه»


يذكر أن مكتب العمل التابع لوزارة العمل في المملكة كان قد فصل، في العام الفائت، ملف المصروفين عن الشركة وشرع في متابعتها باستقلالية عنها، داعياً الموظفين إلى التواصل معه مباشرة، في الوقت الذي كان فيه القضاء السعودي يبتّ دعاوى ضد إدارة الشركة ومالكها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، رفعها المتضررون من الصرف من دون تعويضات ومن التأخر في صرف الرواتب، حتى إن محكمة التنفيذ في الرياض نشرت في كانون الأول 2016 إعلاناً عن صدور قرار قضائي «ضد المنفذ ضده سعد الدين الحريري بعد تعذر تبليغه. وفي حال عدم التنفيذ خلال خمسة أيام من تاريخ النشر، سيتم اتخاذ الإجراءات النظامية التي نص عليها نظام التنفيذ»، كما جاء في الإعلان الذي نشر في إحدى الصحف السعودية آنذاك.
التعميم الصادر يوم الأربعاء، عن مكتب العمل، انعكس فرحاً وحذراً في آن واحد، بين الموظفين والعمال المصروفين، وطرح تساؤلات عدة عن توقيت إعادة تحريك الملف من جهة ومدى ارتباطه بزيارة الحريري الأخيرة للسعودية من جهة أخرى؟.
في هذا السياق، يستعيد أحد المتابعين للملف ما صرّح به الحريري قبل أيام قليلة من أن «الزيارة (إلى الرياض) كانت ناجحة والشكوك التي حاول البعض زرعها بعلاقتنا بالمملكة تبدّدت والعبرة بالنتائج». فهل تكون تسوية أزمة «أوجيه» إحدى النتائج التي لمّح إليها الحريري؟ وفي حال اقتراب الفرج، بعد نحو ثلاث سنوات أعقبت انهيار الشركة، هل يكون التوقيت متّصلاً ببدء العد العكسي لموعد الانتخابات النيابية المقررة في السادس من أيار المقبل؟ وهل المقصود بالخطوة السعودية تدعيم أوضاع الحريري إنتخابياً؟
تقول أوساط مهتمة بالملف في تيار المستقبل لـ»الأخبار» إن «أبرز وجوه حرص السعودية على الحريري يظهر في تسوية ملف سعودي أوجيه». طبعاً، يتبنى «المستقبليون» وجهة نظر رئيسهم سعد الحريري بأن صرف الرواتب تعذر بعد أن توقفت المملكة عن دفع مستحقات الشركة عن مشاريع لزمت للأخيرة. وعليه، تعلم القيادة السعودية أن قضية المصروفين «تشكل ورقة ضغط على حليفها ومصدر أذى له». في المقابل، يفترض الحرص السعودي دفع الأذى «وهذه الرسالة السعودية إيجابية إزاء الحريري بعد تجاوز قطوع الاستقالة سياسياً، وقوامها تحصيل الحقوق من جهة ودعم لبنان في المؤتمرات الدولية من جهة أخرى»، تقول الأوساط المستقبلية.
هل تحرّكُ مكتب العمل السعودي مرتبط بالانتخابات نظراً إلى الدفع الإيجابي الذي كان يشكله موظفو سعودي أوجيه في الانتخابات السابقة؟
تذكّر الأوساط المستقبلية نفسها بتصريح الحريري في ذكرى 14 شباط الأخيرة في «البيال»، بأننا «لا نملك أموالاً لندفع للانتخابات ونسدد الحقوق». رسالة لم تكن موجهة للمتضررين بقدر ما كانت موجهة إلى من يسمّونها «مملكة الخير»!
الصحوة السعودية المفاجئة سبقتها كبوة طويلة في الأعوام الماضية. في آب 2016، أرسل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز برقية (أمر ملكي) إلى وزير العمل والتنمية الاجتماعية (السعودي) مفرج بن سعد الحقباني، حول أزمة العمالة المتضررة في المملكة، أوعز إليه فيها «بصرف رواتب الموظفين وتأمين احتياجاتهم بالتعاون مع الوزارات وسفارات الدول التي ينتمون لها، وتخصيص مبلغ مئة مليون ريال يوضع حالاً لصالح وزارة المالية ويصرف منه لهذا الغرض». الأمر السامي صدر تحت ضغط الاحتجاجات التي نفذها الموظفون والعمال والمراجعات التي وردت من الدول التي ينتمون إليها، لا سيما فرنسا والمغرب والهند. منذ ذلك الحين، لم تسجل حلحلة في ملف المصروفين الذين علقوا في دوامة من الوعود كان يطلقها مكتب العمل بين حين وآخر، فضلاً عن رفض الحريري وعمته النائب بهية الحريري ونجلها أحمد، لقاء المصروفين، رغم إلحاحهم على اللقاء أكثر من مرة.
يبرر المستقبليون عدم التجاوب سابقاً، نظراً لعدم وجود إجابة واضحة. فقد أطلق المصروفون سلسلة تحركات تنقلت من دارة مجدليون إلى بيت الوسط وصولاً إلى السفارة السعودية، وكان آخرها يوم الإثنين الفائت، عندما نظّموا اعتصاماً هو الثالث أمام السفارة السعودية في راس بيروت.
وكان القائم بالأعمال السعودي السابق (العائد قريباً) وليد البخاري والسفير الحالي وليد اليعقوب، قد التقيا المتضررين وألقيا المسؤولية على آل الحريري، رافضين تحميل المملكة وزر التعويض، كما نقل عنهما أحد المشاركين.
هل تصدق وعود مكتب العمل السعودي هذه المرة؟ يرجّح عضو اللجنة جمال عاصي أن يكون التعميم الأخير «وسيلة للتهدئة بعد التحركات التي نفذت أمام السفارة السعودية»، لافتاً إلى أن المكتب «كان قد طلب في وقت سابق تزويده ببيانات المصروفين التي يمكن أن يحصل عليها بكبسة زر من مكاتب الشركة وأنظمة البنوك».