اتخذت الأمم المتحدة شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام (2018) «الطبيعة لأجل المياه». وكأن مقترحي هذا الشعار يكتشفون، للمرة الاولى، علاقة المياه بالطبيعة والنظم الايكولوجية! الا انهم، على ما يبدو، يركزون على كيفية استخدام الطبيعة للتصدي لتحدّيات ارتباط الموضوع بقضايا تغيّر المناخ المستجدة والأضرار البيئية التي تركتها حضارتنا على الطبيعة والمياه معاً. فمع تغير المناخ، كما بات معلوماً، ستزداد الأضرار البيئية، مع زيادة متوقعة في الفيضانات والجفاف والتلوث المائي في كل أرجاء العالم، بالاضافة الى تدهور المناطق الخضراء والتربة والأنهار والبحيرات...الخ.تريد الامم المتحدة، اذاً، الاعتماد مجدداً على البيئة لإنقاذ... البيئة! من دون أن تحمّل المسؤوليات أو تزعج المستثمرين والاستثمارات التي تتسبب بتغير المناخ أو في تدمير البيئة.
وهي تريد مواءمة «الهياكل الخضراء» مع «الهياكل الرصاصية»، متى أمكن ذلك، من دون أن تجرؤ على نقد النموذج الحضاري المنتصر، ونماذج التنمية المتفلّتة من اي قيد، والتي تولت منذ الإعلان عن انتصار الثورة الصناعية تدمير كل الهياكل الخضراء التي نعرفها!
صحيح أن زراعة الغابات الجديدة وإعادة تأهيل الأراضي الرطبة سيوازنان دورة المياه المتجددة، إلا أن التوازن لن يعود من دون اعادة النظر في النموذج الحضاري الذي استنزف الطبيعة والموارد.
في شعار رديف، تقول الامم المتحدة أيضا إن «المياه تعني وظائف». والمياه هي لبنة أساسية للحياة. وأكثر من مجرد ضرورة لإرواء العطش أو حماية الصحة... فهي تخلق فرص عمل وتدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية. ونصف العاملين في العالم ( 1.5 مليار شخص) يعملون في قطاعات ذات صلة بالمياه. رغم ذلك، هناك الملايين ممن يعتمدون على المياه لاكتساب أرزاقهم لا تُوفر لهم حمايات حقوق العمل الأساسية ولا يُعترف بهم. وهناك 663 مليوناً يعيشون حالياً من دون توفر إمدادات للمياه الصالحة للشرب على مقربة من منازلهم، ويقضون ساعات طوالاً ويقطعون مسافات بعيدة للحصول على المياه، أو يواجهون كثيراً من المشاكل الصحية الناجمة عن استخدام المياه الملوثة.
تقارير الأمم المتحدة لا تذكر، ولا تحدد، من يحاول أن يضع يده على مصادر المياه. ولا تزعج، في تقاريرها، الحكومات الفاشلة او الفاسدة او المتواطئة. ولا تذكر شيئاً عن الاتجاهات لخصخصة المياه على نطاق عالمي، تماشياً مع طبيعة ومصالح الشركات العالمية التي تستثمر في هذا القطاع. وهي لا تسأل، على سبيل المثال، كيف يمكن شركات عالمية ومعولمة مثل «بيبسي» و«كوكا كولا»، أن تصل بمنتجاتها (التي تعتمد بكليتها على المياه مع بعض الاضافات الضارة)، الى القرى النائية في كل اصقاع الارض، فيما لا يمكن الحكومات والدول أن تفعل ذلك؟!
واذ لا يخرج لبنان عن هذه الاتجاهات العالمية المسيطرة، يناقش الآن في البرلمان «قانون المياه» في حلته الجديدة. وهي حلّة تفتح مجالات عدة للاستثمار والخصخصة، بعدما شارك لبنان والجمعيات ذات الصلة في العديد من المؤتمرات الدولية التي تحاول، منذ سنوات، جعل المياه سلعة قابلة للاستثمار والبيع، لا حقاً من حقوق الإنسان الأساسية، على الحكومات والدول ضمان تأمينها سالمة وطبيعية لكل انسان.