مع انتهاء الانتخابات النيابية المقبلة، يدشّن حزب الله أوسع انخراط له في الحياة السياسية اللبنانية منذ دخول نوابه ساحة النجمة للمرة الأولى عام 1992. لن يكون ذلك، فحسب، من خلال ملف مكافحة الفساد الذي وعد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بإيلائه اهتماماً شخصياً. وإنما، أيضاً، من خلال لعب دور «الناظم» للحياة السياسية، على الأقل في ساحته وبين حلفائه، بعد التصدّعات التي أحدثها التنافس الانتخابي.صوت العتب واضح في أوساط الحزب على الحلفاء ــــ كل الحلفاء ــــ لتعاطيهم مع الاستحقاق بالمفرّق، وليس وسيلة لوصول أكثرية من فريق سياسي واحد الى الندوة البرلمانية. علماً أن مصلحة هؤلاء الحلفاء ومقتضيات الوفاء لهم كانت في رأس الاهتمامات لدى مناقشة قانون الانتخابات ووراء الاصرار على النسبية، لإدراك الحزب أنهم، في كل تسوية سياسية، كانوا «يخرجون من المولد بلا حمّص». إذ أن الواقعية السياسية كانت تقتضي التفاهم مع المكوّنات الرئيسية في طوائفهم. لكن الصراعات داخل الفريق الواحد، اليوم، تكاد تطيح بفرص بعض هؤلاء في الفوز، وتهدّد بتضييع فرصة حقيقية أمام الفريق السياسي الذي ينتمون اليه للوصول الى المجلس بأغلبية عددية متجانسة ومتماسكة.
رغم ذلك، تبقى التحالفات ــــ والتباعدات ــــ الحالية، الظرفية، أمراً مفهوماً في سياق طموحات كل فريق بالوصول الى ساحة النجمة بأكبر عدد ممكن من المقاعد. إلا أن ما يُهمّ حزب الله، في ما بعد السادس من أيار، هو التحالفات السياسية المستقرة وترميم ما تضرّر منها. صحيح أن السيد نصرالله يؤكد، في كل مناسبة، على متانة التفاهم مع التيار الوطني الحرّ مثلاً. إلا أنه ليس سرّاً أن في فريق 8 آذار قلقاً من التحالفات الانتخابية التي يصوغها التيار، وما إذا كانت ظرفية، أم تخفي وراءها ما هو أكثر من ذلك. وليس سراً، أيضاً، توجّس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من هذا القلق، وهو الذي يُنقل عنه أن هناك ضرورة، بعد الانتخابات، لتبديد المخاوف وترميم التحالفات ونزع ما علق بها من شوائب.
لن يكون مستغرباً إذا ما آلت وزارة المال في الحكومة المقبلة الى حزب الله


هذا التوجّس الرئاسي مفهوم إذا ما أخذنا في الاعتبار أن رئيس الجمهورية، منذ انتخابه، اعتبر أن عهده الفعلي يبدأ بعد الانتخابات النيابية. وهي «بداية» لن تكون موفقة إذا ما بقي التوتر على حاله بين التيار الحر وحركة أمل، مثلاً، أو بينه وبين تيار المردة، ما سينعكس قطعاً على تشكيل الحكومة المقبلة، وسيفرمل الانطلاقة الثانية للعهد. لذلك، يدرك حزب الله أن الخلافات السياسية وصلت الى مستوى باتت تحتاج معه إلى ضابط إيقاع، وهو الدور الذي ينبغي أن يلعبه في المرحلة المقبلة.
على أن ترميم التحالفات السياسية، هذه المرة، سيتسم بمقدار أعلى من الوضوح والصراحة. حزب الله الذي قدّم دوره المقاوِم على ما عداه سابقاً لن يواصل دور المراقب لنهب المال العام وتفشّي الفساد وازدياد المديونية مراعاة للتوازنات السياسية حيناً، أو تحت عنوان «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» في غالب الأحيان. فهم الحزب تماماً التململ الذي عبّر عنه أهالي بعلبك ــ الهرمل نتيجة السياسات الحكومية التي تهمّش الأطراف. رسالة البيئة الحاضنة كانت: كيف لا يمكن الحزب الذي هزم إسرائيل وتحوّل رقماً في المعادلة الاقليمية والدولية أن يؤمّن إنماء متوازناً أو يسكت عن الصفقات وعن تفشّي الفساد؟ تلقّف نصرالله الرسالة بعدما بات واضحاً أن مكافحة الفساد هي دفاع عن هذه البيئة بقدر ما هي عملية انقاذ ملحّة على المستوى الوطني. وربط هذا الملف، في دلالة إلى الأهمية والجدية التي يوليه إياها، بشخصه، مستنداً إلى صدقيته لدى الجمهور، وإلى تاريخ الحزب غير الملوّث بنهب المال العام. والعمل بدأ فعلياً في هذا الشأن على تشكيل إطار تنظيمي متخصص تكون مرجعيته المباشرة الأمانة العامة للحزب. بالطبع، الواقعية تقتضي عدم الاعتقاد بأن الأمور ستحلّ بكبسة زر. لكنها خطوة كبيرة اذا ما تكاملت مع طموحات رئيس الجمهورية وبرنامجه الانتخابي القائم على الاصلاح والتغيير.
المؤكد أن ما بعد السادس من أيار لن يكون كما قبله. إذا أراد أي من الأطراف السياسية المشاركة في المقاومة، فأبواب الحزب مفتوحة لتقديم المساعدة. أما المقاومة، من جهتها، فمصمّمة على المشاركة الكاملة في الادارة المالية والاقتصادية لأن وضع البلد بات أخطر من أن يُترك هذا الملف لفريق وحده وفق التقسيم الذي كان سائداً. بهذا المعنى، لا ينبغي أن يستغرب كثيرون، إذا ما «دبكت»، مثلاً، بين التيار الوطني الحر وحركة أمل أثناء تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، ووصلت الأمور إلى طريق مسدود، أن يكون وزير المال المقبل... من حزب الله.