هي محاولات للتوفير تلجأ إليها الشركات الناشئة لخفض تكاليف تجهيز مكتب في العاصمة قد تصل أحياناً إلى أرقام خيالية. أمر سهّل أعمال أصحاب المهن التي تعتمد على المجهود الفكري والذين يعملون من منازلهم ولا يحتاجون إلى مكتب واقعي على مدار الساعة، فباتوا يلجأون إلى هذه المكاتب للقاء زبائنهم في شكل احترافيّ.
طموح وتعثر
فما هي المكاتب الافتراضية (virtual offices)؟ يوضح سامر عبدالله، صاحب شركة "My office" التي بدأت عملها في لبنان في هذا المجال عامّ 2010، أنّ المكاتب الافتراضية مثالية لشركة تأسست حديثاً أو تملك مكتباً خارج بيروت وتريد التوسّع في العاصمة. كما يختارها الموظف اللبناني الذي يريد تطوير نفسه، يمتنع عن أخذ مكتب حقيقي لأنه يملك وظيفة ولكنه يريد المحافظة على طموحه في الوقت عينه.
ويضيف: "أوجدت الأزمة الاقتصادية الحاجة إلى المكاتب الافتراضية. فعوضاً عن الإقفال النهائي، تلجأ الشركات المتعثرة إلى هذا النوع من المكاتب لتمرير الأزمة. كما يزيد الإقبال عليها اليوم بسبب ارتفاع أسعار العقارات، إضافة الى دخول شركات جديدة إلى البلد لدراسة أوضاع سوريا أملاً بعد انتهاء الأزمة فيها".

حلول مثلاً
من جهتها، تعتبر مديرة فرع شركة «سيرفكورب» في لبنان حنان حريصي أنّ "المكاتب الافتراضية هي الحلّ الأمثل للشركات الناشئة والصغيرة. فبمبلغ صغير يتراوح بين 270 و500$ شهرياً (بحسب الباقة المختارة)، يتمّ تسجيل الشركة في السجلّ التجاري فتحصل على عنوان ورقم هاتف مخصص لها، مع إمكان استخدامها المحدود لغرف الاجتماعات والمساحة المكتبية المشتركة الواقعة في مبنى "لوي فويتون" في أسواق بيروت لمدة ثلاث ساعات يومياً مجاناً خلال دوام العمل، إضافة الى الفرصة المتاحة لاستعمال أجنحة مكتبية في 160 فرعاً حول العالم لمدة ثلاثة أيام شهرياً".

أمّا إذا أراد الفرد استخدام المكتب لفترة أطول محلياً، فهناك خياران متاحان لدى سيرفكورب الأسترالية (التي باشرت عملها في لبنان منذ عام 2010): "إما إيجار مساحة مكتبية مشتركة مع غيره من الشركات بكلفة 600$ شهرياً تُخوّله الجلوس على مكتب خاص به على مدار الساعة، وإما اختيار مكتب خاصّ به يتيح له الحصول على خصوصية أكبر ورقم هاتف مباشرة على مكتبه مع كافة التقديمات من أثاث مكتبي وتجهيزات، إنترنيت ومساعدة للأعمال الإدارية. يبقى أن يضع الكمبيوتر المحمول الخاص به ويبدأ بالعمل. وتتراوح أسعار المكاتب المجهزة للعمل بين 1500 و5000$ شهرياً بحسب حجمها وعدد موظفي الشركة الذين يتشاركونها. ويمكن استخدام مكاتب الشركة في كافة أنحاء العالم مجاناً لمدة خمسة أيام". وتوضح حريصي أنّ الزبون لا يتعرّف على رسوم بلدية أو تأمين أو أمن أو تنظيف أو حتى توظيف.

جوّ مثالي للأعمال
وبالنظر إلى الإقبال على خدمات هذه الشركات، يُشكّل نموذج بيروت منطقة رقمية (Beirut Digital District) مثالاً يظهر تطوّر أعمالها السريع إذ تستضيف اليوم 93 شركة و1500 موظف في مكاتبها، علماً أنّ المساحات المكتبية المنجزة في المشروع الواقع في قلب بيروت تلامس الـ20000 م2 لغاية الساعة مقدّمة جوّاً مثالياً للأعمال. وتبلغ كلفة مساحة مكتبية واحدة مشتركة فيه 1 co-working desk) ( 220$ شهرياً (من دون TVA). أما كلفة المساحة المكتبية المخصّصة لشركة فتتوزّع شهرياً على الشكل التالي: 1200$ لستة أشخاص، 1440$ لثمانية أفراد و1600$ لعشرة أشخاص، ثمّ تضاف إلى هذه الأكلاف الضريبة على القيمة المضافة. ويمكن المستأجرين استعمال قاعة الاجتماعات التي تُحجز إلكترونياً إضافة إلى حصولهم على تقديمات تُغطي الصيانة وخدمات التنظيف والأمن والكهرباء والإنترنيت والضرائب البلدية وخدمات طبع الأوراق (وفقاً لكوتا محددة). فكيف حلّت هذه المكاتب معضلة كلفة الإيجار في بيروت؟

تخطي مشكلة الإيجار
يشرح سامر عبدالله أنّ "كلفة إيجار أرخص مكتب في رأس بيروت تتراوح بين 10000 و12000$ سنوياً، وبالتالي حوالي 30000$ على ثلاث سنوات بحسب العقد القانوني. ويتطلّب المكتب حوالي 10000$ إضافية لتحسينه. تُضاف مصاريف تلامس الـ1300$ شهرياً تتوزّع على الشكل التالي: أجر المساعد(ة) الإداري(ة) بين 600 و700$، مصاريف هاتف وكهرباء وإنترنيت وغيرها من الأساسيات (بحدود الـ200$)، حوالي 100$ مصاريف أخرى للتصليح والناطور... عدا عن مصاريف التنظيف.


وهكذا، تصبح الكلفة النهائية حوالي 90000$ على ثلاث سنوات وبالتالي 2500$ شهرياً لتأمين الحد الادنى من متطلبات المكتب. ووفق هذه المعادلة، يجب أن يكون المدخول 5000$ على الأقل شهرياً للتمكن من استئجاره. في المقابل، وبكلفة تتراوح بين 700 و900$ شهرياً، يمكن استئجار مكتب خاص ضمن شركة My office. كما يمكن تقاسم المبلغ بين شخصين يتشاركان المكتب. ويكفي أن يجني المسـتأجر 3200$ شهرياً للحصول على النتيجة نفسها".

Able the Disabled
ومن جهة أخرى، تتراوح الأسعار الشهرية للمساحات المكتبية المشتركة (shared office) بحسب عبدالله بين 550$ على أساس شهري و380$ إذا اختار الفرد الإيجار السنوي، وبالتالي الدفع المسبق الذي يخفّض من كلفة التسويق. ويتيح له هذا الخيار الولوج إلى مكتبه في أي وقت، إضافة إلى حصوله على كل الخدمات من كهرباء وسرعة إنترنيت مع إمكان الاستعانة بالمساعدة الإدارية. ويرجع التباين في الأسعار بين شركته وأخرى "إلى التفاصيل التقنية المقدمة، إذ يستفيد العميل من 170م2 كمساحة مشتركة إضافية وشرفة كبيرة مطلة على الحمرا... إضافة الى إمكان الاستفادة من أرقام هاتف في تسع دول حول العالم لتوسيع زبائنه، علماً أنّ الاتصالات التي ترده مجانية، أمّا إذا اختار مجيباً باسم شركته على خط خاص، فعندها يتكبّد كلفة بسيطة تضاف إلى كلفة الاتصالات التي يجريها".


ومن اللافت تفرّد شركته ببرنامج “Able the Disabled” على اعتبار أنّه، إضافة إلى الإعاقة الجسدية، قد يكون العائق مادياً أو حتى موجود في تقاليدنا كالنظرة إلى المرأة الشرقية. "وإضافة إلى المكاتب المجهزة لاستقبالهم، يحصل أصحابها على خصم كبير ضمن هذا البرنامج يصل الى حوالي 50 في المئة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة (يتكبدون حوالي 1500$ سنوياً بدلاً من 3000$ على المكاتب الافتراضية). كما تحصل الجمعيات النسائية التي تعمل على تمكين المرأة على حسم كبير، إضافة الى شباب لبنان الذين يملكون طموحاً ولكن الحاجة تعيق تحقيقه وتدفعهم إلى القبول بوظيفة أخرى".

استثمار متزايد فيها
إضافة إلى المكاتب التي تأسست منذ سنوات والتي بدأت بالرواج اليوم نظراً لإقبال المؤسسات عليها لأسباب اقتصادية، يبدو أنّ شركات جديدة تتجه إلى هذا النوع من الأعمال مثل شركة Cerviced التي باشرت عملها منذ شهر تقريباً في كليمنصو. وتكتفي نتالي ديب بالإشارة الى أنّ كلفة الإيجار تختلف بحسب المساحة التي يختارها الزبون، رافضةً الإفصاح عن أسعارها عبر الهاتف. وإذ تؤكد أنّ كلفة الإيجار تتضمّن كل المتطلبات من مياه وكهرباء وصيانة وخدمات سكرتاريا، تشير إلى تميزهم بتقديم مكاتب فاخرة ومريحة للنظر، إضافة إلى قيامهم "بتسجيل المؤسسات التي لا تملك مكاتب لها في لبنان تحت اسم شركتنا لتصبح قانونية وبتكاليف أقل، فنعمل لها ونستلم بريدها" عبر ما بات يُسمى بالمكتب الإفتراضي.

* [email protected]