تبدو لهجة المستشارين الاقتصاديين في رئاستي الجمهورية والحكومة، عشية مؤتمر باريس 4 (سيدر)، متفائلة، لكنها لا تتعدى توقعات الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان، باحتمال حصول لبنان على ما بين خمسة إلى ستة مليارات دولار قروضاً، من أصل كل سلة الاستثمارات التي قدمتها الحكومة اللبنانية والمقسمة على عدة مراحل، فضلاً عن همس رسمي للمرة الأولى عن تعهد خليجي (إماراتي سعودي) بمنح هبة للبنان لا تتعدى 400 مليون دولار أميركي.وينحو مناخ رئاستي الجمهورية والحكومة في الكلام نحو التأكيد أن «ليس صحيحاً أننا ذاهبون إلى سيدر الباريسي للاقتراض، إنما أُعدَّت لائحة مشاريع استثمارية تلبي حاجات لبنان وفي مجالات يمكن أن يحصل فيها استثمار، وهذا يعني إدخال مال إلى البلد وفرص عمل وثقة دولية وحاجة ملحّة للنهوض الاقتصادي، أما القول بأن الهدف هو الاقتراض للاقتراض، ففيه ظلم للمسعى الحكومي»، على حد تعبير أوساط رسمية لبنانية.
هذه الأوساط تذهب إلى حد القول «إن التركيز هو على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهذا يعني وضع إطار للخصخصة ضمن شروط لبنان، وليس كما حصل في السابق، فالقول إن وضعنا الاقتصادي صعب، ليس سراً على أحد، ولكن الاقتصاد يحتاج إلى تحريك، كيف سيحصل ذلك؟ عبر ضخّ كمية من المال في البلد، وذلك يكون بمشاريع استثمارية، وقد قدم لبنان الفرص عبر الورقة التي درسها مجلس الوزراء، والتي يذهب بها إلى سيدر للحصول على قروض ميسرة أو هبات أو قروض قابلة للتذويب وخطوط ائتمانية كما حصل في روما (مؤتمر روما 2)، وهو ليس قرضاً، بل ضمانة بسقف مالي محدد قد تتحول إلى هبة».
أوساط رسمية: ورقة العمل مرشحة لأن تصبح واقعية في نقاط محددة


وتضيف الأوساط أن «الدول تقول إنها تريد المساعدة، والمهم تقديم ورقة واقعية ومعقولة، والمشروع المقدم يصب في هذا الاتجاه، ومن لديه البديل فليقدمه، والإصلاحات هي الأساس، على الرغم من أن مشكلتها أن الناس لا تتقبلها، إلا أنه بلا إصلاحات يعني لحس المبرد، لذلك لا بد من طمأنة الناس، من هنا لا بد من التأكيد أن مؤتمر سيدر له ضوابط، وورقة العمل ليست جامدة، بل ستعدل لتصبح واقعية في نقاط محددة، وبعد المؤتمر سيعود القرار إلى مجلس الوزراء، لا إلى الجهة المقرضة ولا الجهة الملتزمة، ويجب عدم الخلط بين ما تنجزه شركة ماكينزي من خطة للنهوض الاقتصادي الشامل، وبين ورقة سيدر التي هي محصورة بمشاريع محددة».
وتشير الأوساط إلى أن الورقة «عرضت على كل القيادات السياسية التي لم تعارضها، إنما وضعت ملاحظاتها، التي نوقشت على مدى نحو عشرين جلسة لوزراء ومختصين، وحددت الأولويات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان هناك انتقاد لمشروع سكة الحديد، خصوصاً سكة الشمال وخطة تطوير الطرق على المستوى الوطني، وتكفي الإشارة إلى أن شركات روسية فتحت مكاتب في بيروت تمهيداً لإعادة إعمار سوريا، والبنك الأوروبي للتنمية والاستثمار الذي زار وفد رفيع منه بيروت أخيراً، كان هاجسه هذا الأمر. أما معضلة الكهرباء، فتكفي الإشارة إلى أن 38 مليار دولار من أصل الدين العام هو من الكهرباء».
أما عن تلميح البعض إلى وجود رابط ما بين مساعدة لبنان في أيٍّ من المجالات الاستثمارية وموضوع سلاح المقاومة، فتوضح الأوساط أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عندما استبق مؤتمر روما 2 بموقف حول الذهاب إلى بحث الاستراتيجية الوطنية للدفاع بعد الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة الجديدة، كان لموقفه صدى إيجابي كبير لدى عواصم القرار والدول المعنية بالوضع اللبناني. يومها صدر كلام عن أن هذا الطرح لرئيس الجمهورية سيفجّر العلاقة مع حزب الله، إلا أن كلام الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، الذي أعقب موقف عون، جاء ليدحض كل المقولات عن خلاف حول الطرح».
وفي هذا الإطار، تشدد الأوساط على أن «لا شروط في مؤتمر سيدر على لبنان لها علاقة بالمقاومة وسلاحها أو بالاستراتيجية الدفاعية، لكن هناك نصائح جدية بالذهاب إلى إصلاحات عنوانها الأساسي وقف الهدر والفساد وفق خطة صارمة تحمي مالية الدولة من الاستباحة».
هل صبّت مداخلات النواب في جلسة مناقشة الموازنة الأسبوع الماضي في هذا الاتجاه؟
تجيب الأوساط بأن هذه المداخلات أثرها السلبي أكبر من الإيجابي، لأن نشر الغسيل من دون آليات للمتابعة والمحاسبة «يضر أكثر مما يفيد».