الصيد فوق 200 مليون كلم مربع!
تبين خريطة نشرتها مجلة «العلوم»، نهاية شباط الماضي، أن سفن الصيد البحري الصناعي الكبرى تعمل على مساحة 200 مليون كيلومتر مربع حول العالم، وهي مساحة أكبر بأربعة أضعاف من المساحات التي تُستخدم في الزراعة (50 مليون كلم مربّع)! بكلام آخر، يستغل الصيد الصناعي 55% على الأقل من البحار والمحيطات في العالم، أي أكثر من أربعة أضعاف المساحة التي تشغلها الزراعة على اليابسة. وهي تشير بوضوح إلى الضغط الهائل الذي يمارسه البشر (الشركات الغربية الكبرى بالتحديد) على المحيطات. وقدرت الدراسة أن نحو 70 الف سفينة صيد تجارية ضخمة عملت على مدار الساعة عام 2016، ما مجموعه 40 مليون ساعة من الصيد استهلكت السفن خلالها 19 مليار كيلوواط/ ساعة من الطاقة، وأبحرت أكثر من 460 مليون كيلومتر، 600 ضعف المسافة بين الأرض والقمر! علماً أن هذه البيانات لا تأخذ في الاعتبار المناطق التي تعاني من ضعف تغطية الأقمار الاصطناعية أو المناطق الاقتصادية الخالصة... ولهذا خلص التقرير الى أن الصيد الصناعي يغطّي 73% من المحيطات.
وكانت أكثر المناطق تضرراً شمال شرق المحيط الأطلسي (أوروبا) وشمال غرب المحيط الهادئ (الصين واليابان وروسيا)، فضلا عن بعض المناطق خارج أميركا الجنوبية وغرب أفريقيا. وبيّن التقرير أن فترات الصيد وكثافته لا تعتمد على الدورات الطبيعية، مثل التغيرات المناخية أو هجرة الأسماك، أو حتى على سعر الوقود. وان كل الجهود والاتفاقيات الدولية لتنظيم الصيد وإنشاء المحميات البحرية ووقف الصيد الجائر وغير الشرعي فشلت في حماية النظم الإيكولوجية، لا سيما الهشة منها، مثل الشعاب المرجانية في المياه الباردة المهددة بالجرف القاعي.
استغلال مفرط
ووفقا لأحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، فإن أكثر من 31% من الأرصدة السمكية تُستغل استغلالاً مفرطا في العالم، بزيادة ثلاث مرات عما كانت عليه منذ أربعين عاما. وأكّد المنظمة أن ما تسميه «بصمة الصيد العالمية» أكبر بكثير من مصادر إنتاج الغذاء الأخرى. إذ توفر الثروة السمكية 1.2% فقط من السعرات الحرارية التي يستهلكها البشر، بمعدل 34 سعرة حرارية للفرد في اليوم.
«جاروفة القاع» أكثر أساليب الصيد تدميراً وتحاكي قطع الأشجار العشوائي في الغابات
واذ تعتبر «جاروفة القاع» أكثر أساليب الصيد تدميراً، وقد جرى حظر استخدامها في أعماق البحر المتوسط دون 1000 متر... إلا أن استخدام الجاروفة، التي تحاكي قطع الأشجار العشوائي في الغابات، مستمر في المياه الأقل عمقاً. وقد وصلت كميات الكثير من الأنواع المصطادة في البحر المتوسط الى نسب قصوى منذ الثمانينيات وبداية التسعينيات، لا سيما مخازن الأسماك المهمة تجارياً كسمك التن الأزرق الزعانف، البكورة، النزلي، ابو سيف، المارلين، البوري الأحمر والشبوط البحري. وتشير بيانات الـ«فاو» حول المتوسط والبحر الأسود الى استنزاف ما نسبته 20% من الموارد وتعرض 15% منها للاستغلال المفرط، و50% للاستغلال الكامل. ورسمت وكالة البيئة الأوروبية صورة اكثر سوادا لمنطقة البحر المتوسط، اذ اعتبرت أن 80% من المخزون المستهدف تجاريا في المتوسط لم تخضع لتقييم جدي حول حالتها. وحيثما تم تقييم هذا المخزون، فإن الأرقام تشير الى تعرض حوالى 79% من الأسماك المهمة تجاريا لصيد يتجاوز حدود الامان البيولوجي. مع الإشارة الى أن أكبر أساطيل الصيد التجارية (بالجاروفة) التي تدمر البيئة البحرية أثناء الصيد بالشباك الكبيرة المتنقلة… اوروبية. ويضاف الى كل ذلك، ان استهلاك الدول الصناعية المتقدمة حول العالم للوقود الاحفوري منذ الثورة الصناعية، ساهم في زيادة الانبعاثات في الغلاف الجوي للارض، بشكل أكبر بكثير من قدرة الغابات والمحيطات على امتصاصها، مما جعل المحيطات تصاب بـ«الحموضة»، التي ستقتل الكثير من الانواع البحرية عاجلا ام آجلا.
فأية «أخلاق» بيئية، برية لا بحرية، تحمي الطيور وتستبيح السمك، وتصل الينا معلّبة؟!