في خطوة فاجأت عدداً كبيراً من المحامين، أقدمت نقابتهم في بيروت على تجديد عقد التأمين الصحي مع شركة «غلوب مد»، رغم اتهامات يوجّهها هؤلاء إلى الشركة بـ«الفشل» في إدارة صندوق التعاضد في السنوات الثلاث الماضية، والتسبّب بعجز في الصندوق الإستشفائي للنقابة بقيمة 20 مليون دولار. وهو ما دفع عدداً من المحامين الى المُطالبة بفتح تحقيق شامل حول أسباب العجز وتحديد مسؤولية «غلوب مد» التي كُلّفت إدارة الصندوق بموجب عقد تعاون وقّعته مع نقيب المحامين السابق جورج جريج في 26 شباط 2015. وعلمت «الأخبار» أن النقيب اندره الشدياق أبلغ المحامين تجديد النقابة العقد التأميني مع «غلوب مد»، على أن تتحمّل الأخيرة جزءاً من الخسارة، فيما يتحمّل المحامون الجزء الآخر، عازياً ذلك إلى أن عرض «غلوب مد» كان الأفضل.
سيدفع المحامون خلال سنتين زيادة بنسبة 90% على رسوم التأمين(مروان طحطح)

وبحسب مصادر في النقابة، فقد رفع رسم التأمين الذي يدفعه المحامي سنوياً من 430 دولاراً الى 700 دولار، بزيادة نسبتها نحو 63%، على أن يتكبّد المحامون في السنتين المُقبلتين زيادة على الرسوم الجديدة بنسبة 30%، ما يعني زيادة بأكثر من 90% عما كانوا يدفعونه سابقاً. كما أُبلغ المحامون بأن عليهم دفع فارق بنسبة 15% على معاملات الفحوصات الخارجية، «ما يعني خفض مستوى الخدمات الصحية التي كنا نتلقاها، وقد انعكس ذلك على أداء ادارات المُستشفيات مع المحامين مؤخرا»، بحسب المصادر نفسها.
خطوة النقابة أثارت نقمة في أوساط المحامين الذين بدأوا بالتحضير لتحرّكات بهدف الضغط على النقابة للحصول على توضيحات وتبريرات للواقع الجديد «غير المنطقي».

النقيب «يُخفي» نسخة العقد؟!
ويهدف التحرّك إلى دفع النقيب الشدّياق لتسليم المحامين نسخة عن العقد التأميني وإطلاعهم على دفتر الشروط الذي استندت إليه النقابة في التجديد، «بعدما رفض تسليمنا نسخة عن العقد أو اطلاعنا على دفتر الشروط»، وفق ما أكّد أحد المحامين لـ «الأخبار».
والحجّة التي تذرّع بها النقيب للامتناع عن إعطاء نسخة عن العقد هي، بحسب ما نُقل عنه، «تجنّب البلبلة والتعليقات التي سيُحدثها المحامون»، إضافة الى أن «الأمر مُعقّد، وقد يُحدث حربا أهلية!».
«الأخبار» تواصلت مع الشدياق للوقوف على رأيه، إلّا أنه اكتفى بالقول: «لن أُعلّق على هذا الموضوع في الصُحف».

شكوك في أداء «غلوب مد»
يُثير المحامون الغاضبون الكثير من الشكوك حول أداء «غلوب مد» إضافة الى إثارتهم شُبهة «تواطؤ» النقيبين السابقين جورج جريج وانطونيو الهاشم مع إدارة الشركة. احدهم قال لـ «الأخبار» إن «زميلاً وكيلاً لأحد المُستشفيات الخاصة في بيروت تمكن من إقناع إدارة المُستشفى بإعفاء المحامين من نسبة الـ 15% التي عليهم دفعها كفارق لاجراء الفحوصات الخارجية»، لافتا الى أن «مساعي قام بها محام آخر أظهرت سهولة إقناع المُستشفيات بإعفاء المحامين من دفع هذه النسبة، ما يطرح شكوكا حول أداء غلوب مد وحول حجم الاستفادة التي تحصل عليها على حساب المحامي».
إلّا أن «الشكوك» الأهم تدور حول عدم إنشاء الصندوق الإستشفائي من أساسه رغم أن «غلوب مد» كُلفّت إدارته منذ ثلاث سنوات. وأوضحت مصادر «الأخبار» أن النقابة «فوّضت الشركة إدارة قطاع الإستشفاء من دون أية ضوابط أو رقابة ما ساهم في إدارة عبثية للقطاع أدّت إلى العجز الحاصل حاليا».
النقيب رفض تسليم المحامين نسخة عن العقد أو اطلاعهم على دفتر الشروط


يُذكر أن جريج وقّع عقد تعاون مع الشركة عام 2015 يقضي بتكليفها إدارة الصندوق الإستشفائي الذي كان مُقررا أن ينشأ حينها، بحجة تحقيق وفر مادي سينتج عن اعتماد هذا الخيار بعدما كانت النقابة قد استغنت عن التعاقد مع شركات تأمين لتغطية النفقات الإستشفائية والصحية. علماً أن مشروع انشاء الصندوق وتلزيم إدارته كان مطروحا في النقابة منذ عام 1996، لكن كان يتم رفضه في كل مرة من قبل النقباء الذين كانوا يخلصون الى عدم صوابيته. من هنا، تغدو خطوة جريج آنذاك مُستغربة، وكذلك قرار الهاشم الذي خلفه بالمُضي في العقد رغم ظهور عجز منذ العام التأميني الأول، فيما تبدو خطوة النقيب الحالي بالنسبة للمحامين «مُستنكرة وغير منطقية في ظل عجز الـ 20 مليون دولار».

المحامون الى التحرّك
المحامون المعترضون بدأوا اجتماعات مكثفة للبحث في سُبل مواجهة الواقع الذي فرضته ادارة النقابة عليهم بعدما التقوا النقيب وطالبوه بتقديم ايضاحات لأسئلتهم الكثيرة. وفي هذا السياق، عمدوا الى تحضير عريضة تتضمن موقفهم الرافض للتجديد فضلا عن جملة مطالب أبرزها إنشاء لجنة تحقيق شفافة لدراسة العقد ستُسلّم الى النقيب قريبا. وفي الإطار نفسه، يعقد المحامون اليوم اجتماعا يرأسه النقيب السابق عصام كرم للبحث في التوصّل إلى حل يُجنّب تكبيد المحامين ثمن العجز الحاصل في الصندوق.