«انتبه، إنّهم يُحضّرون، في الضنية، لافتعال إشكالٍ على خلفية تعليق صور». هذه المعلومة، وصلت إلى النائب السابق جهاد الصمد، قبل ظهر أمس، بغية الاحتياط. مساءً تحقّقت «النبوءة»، وشهدت بلدة بخعون إطلاق نارٍ بين مُناصري النائب «المستقبلي» قاسم عبد العزيز من جهة، ومناصري الصمد من جهة أخرى... على خلفية تعليق صور.

جنبلاط: احذروا من اللعب بالنار

غرّد أمس النائب وليد جنبلاط مُحذّراً «الذين يتمتعون بالمناصب الكبرى ويسيرون في تلك المواكب الجرّارة ويتنصتون يميناً وشمالاً على المواطنين، بأننا لسنا لقمة سائغة». جنبلاط المُدافع عن رفيق درب والده في الحركة الوطنية، أضاف: «هؤلاء من حديثي النعمة لا تاريخ لهم إلا الانتهازية. إنّ توفيق سلطان قبلكم جميعاً ومِنَ الرجال الرجال. إنّه من رفاق كمال جنبلاط، فاحذروا من اللعب في النار».

المشهد نفسه، بـ«ديكورٍ» جغرافي مُختلف. مرّة يكون «المسرح»، أحد أحياء بيروت الثانية، وفي اليوم الثاني ينتقل «المُمثلون» إلى دائرة الشمال الثانية. تيار المستقبل «المتوتر» من نتائج الانتخابات النيابية المُنتظرة (وربّما لا) في 6 أيار المقبل، يُحاول توظيف كلّ الأسلحة المُتاحة له، بغية «ترهيب» خصومه.
حادثة بخعون (مسقط رأس الصمد وعبد العزيز)، أمس، تُضاف إلى سجّل الأجهزة الأمنية، «النشيطة» جداً في عدم حماية الاستحقاق الانتخابي والمُرشحين والناخبين وسمعة العهد. نعم، من أجل حفنة مقاعد، لن يؤثر عددها في بقاء سعد الحريري رئيساً للحكومة وتيار المستقبل «الممثل الأول» لجماعته في البلد، يجري تأليب أبناء البلدة الواحدة بعضهم على بعض. أُطلقت النار على مبنى البلدية (الموالية للصمد)، ومنازل مُناصرين للنائب السابق وسياراتهم، وأُصيبت سيّارة واحدة تابعة لعبد العزيز. المُتهمون بافتعال الحادث «معروفون، وقد صورتهم الكاميرات»، يقول جهاد الصمد. هم من أبناء بخعون. لو وقعت الفتنة، وسقط قتيل أو جريح، فمن كان سيتحمّل مسؤولية الدم في الشارع؟ القوى الأمنية التي غابت عن السمع أمس؟ أم محافظ الشمال رمزي نهرا المُنشغل بجولاته الانتخابية، وتناول الأكل في مطاعم طرابلس مع الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري؟
يؤكد الصمد: «مش رح نخليهم يعملوا فتنة». انتهى الأمر أمس، باتفاق الجميع على نزع الصور واللافتات عن الأعمدة والمحلات العامة، وبإصدار بيانٍ للصمد، وآخر مُشترك مع قاسم عبد العزيز.

من بخعون إلى طرابلس مشهد واحد
بخعون عيّنة شمالية عن الأزمة السياسية والنفسية التي يمرّ بها التيار الأزرق. أمّا «قلب» المشاكل، فهي مدينة طرابلس. عاصمة الشمال تضمّ ثمانية مقاعد، بينها خمسة مقاعد سنية يواجه فيها تيار المستقبل كلّاً من تيار العزم، وبدرجة أقلّ حركة الوزير السابق أشرف ريفي. ليس لسبب سوى أنّ «المستقبل» يعتقد، خاطئاً، أنّه تمكّن من خلال الضغوط الأمنية من شلّ حركة ريفي الانتخابية. «الهاجس» المستقبلي الأكبر، هو رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. يقول المُرشح على لائحة «العزم» توفيق سلطان إنّه «طُلب منّي أخذ الاحتياطات، ولديّ معلومات عن أنّ تيار المستقبل سيعمد في الأيام القليلة المقبلة إلى استفزازنا عبر خلق إشكالات بالجملة». أصدقاء «أبو راشد» (تيار المستقبل وآل الحريري)، يريدون «مواجهة اختلال ميزان القوى لمصلحتنا (تيار العزم)، من خلال التحدّي وإثارة الناس في الشارع. فنحن لائحة تُشبه صابون طرابلس، صناعة محلية مئة بالمئة»، يضيف: «وقت ما كنّا مكارية ما شفنا هيك بغال»، على ما يقول المثل الطرابلسي.
يبدو أنّ موجة التعاطف مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد احتجازه في السعودية، آخذة في الانحسار. هذا، على الأقلّ، ما تُظهره صور اللقاءات الشعبية التي يقوم به المُرشحون في طرابلس، بحضور أحمد الحريري. آخر الأمثلة على ذلك، «مهرجان» منطقة باب الرمل، الذي وُضعت فيه قرابة الـ2500 كرسي، في حين أنّ الكاميرات أظهرت أنّ الحضور لم يتعدّ 250 شخصاً تقريباً. هذا الاحتفال الذي وجّه خلاله النائب محمد كبارة تعليمات إلى مناصريه بمقاطعته. يحلو للنائب سمير الجسر ومسؤولي «المستقبل» في الشمال، النفي دائماً لخلافات بينهم وبين كبارة حول الصوت التفضيلي. ولكن، كلام كريم محمد كبارة في الصالونات الطرابلسية، الموجه ضدّ آل الحريري، لا يترك مجالاً للشكّ بشعور «أبو العبد» بوجود محاولات لضرب حيثيته الطرابلسية.
وجود أحمد الحريري، شبه الدائم، في الفيحاء، لا يُعدّ سوى حقنة مُهدّئة «بالشكل» لأهالٍ أُهمل مطلبهم الأساسي: العفو العام. ليلة أمس أيضاً، قطع أهالي الموقوفين الإسلاميين الطريق أمام أحد المطاعم في شارع الضمّ والفرز حيث كان الحريري وسمير الجسر موجودَين فيه. لم يكن أمام «الشيخ» من حلّ، سوى الخروج والاستماع إلى كلام النسوة: «نحنا إلنا سنة ونصف. ايمتى رح يمرق القانون؟ ما فيك تستعجل؟ مين معرقل؟ نجيب ميقاتي؟ أشرف ريفي؟ لما بتكون بمهرجان، بيكون صوتك عالي... ما عم نسمعك». قال لهم الحريري إنّه قبل أن يتوجه إليهم «اتصلت بالرئيس (سعد الحريري) وقال لي لسنا الكتلة الوحيدة في مجلس النواب. نحن بمفاوضات مع الرئيسين عون وبرّي، وهذا القانون يجب أن يمرّ في مجلس الوزراء بدايةً ثمّ في مجلس النواب». وأضاف: «ولا مرّة قلنا لكم إنّ الملّف سيُحلّ قبل أو بعد الانتخابات. أما من يقول إنّه لن ينتخبنا، فهذا رأيكم. نحن لن نؤثر عليكم من أجل هذا الموضوع، لأنّه غير سياسي».
التواصل بين قيادات «المستقبل» والطرابلسيين، ليس العلّة الوحيدة. يُضاف إلى ذلك «التكتيك» غير الموفق في أن يتولّى جورج بكاسيني ابن البترون، الهجوم بنحو عنيف على ميقاتي ابن طرابلس. حساسيّة «الغريب» و«ابن البلد» ارتدّت سلباً على لائحة «المستقبل». كذلك أنّ وصف الوزير السابق محمد الصفدي للائحة تيار العزم بـ«الشيطان»، زاد من حملة التضامن مع رئيس الحكومة السابق.

يتوجه كريم محمد كبارة، في الصالونات الطرابلسية، بكلام ضدّ تيار المستقبل وآل الحريري


أول من أمس، زار توفيق سلطان مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار، «وكان هناك عددٌ من المشايخ، الذين أبدوا امتعاضهم من كلام بكاسيني». يرى سلطان أنّ المسؤولية يتحملها الصفدي وبكاسيني «ولكن، سنُحمّل سمير الجسر ومحمد كبارة المسؤولية أيضاً إذا كان هناك تمادٍ وبقيا صامتين». المطلوب «اعتذار بكاسيني والصفدي، وإلا فالغضب كبير، وسيُعبّر عنه في المساجد يوم الجمعة».
علاقة «المصلحة» التي بناها تيار المستقبل مع أبناء طرابلس، يُعبّر عنها أحد الشبّان في شارع سوريا (خطّ التماس بين التبانة وجبل محسن). يجلس هذا الشاب في مكتبٍ انتخابي لسمير الجسر، حيث رُفعت صوره مُذيَّلة بعلم «التيار». الشاب يرى أنّ «المُفضِلين على البلد (طرابلس)، هما ميقاتي والجسر». أما تيار المستقبل، «فنحن سننتخب لائحته، لأنّ الشيخ سعد وعدنا بالعفو العام». الرئيس ميشال عون قال إنّه لن يوقع على خروج مُتهمين بقتل عناصر من الجيش اللبناني. «إذا ما إجا العفو مشكلة للمستقبل»، يقول الشاب الذي يؤكد أنّ الخيار البديل «هو انتخاب ميقاتي. صحيح أنّه في البلدية، وجّهنا ضربة كفّ للائحة الزعماء». يُعبّر الشاب عن مزاج فئة من الناس، «ما بيفهم عقلنا بالسياسة غير إنو بدنا العفو». النقمة واضحة، خلال الحديث، على الوزير نهاد المشنوق «بسبب صور بهدلة المسجونين برومية». يُخبر عن «الشعب الجوعان». خلال الانتخابات البلدية «وجّهت الأكثرية ضربة كفّ إلى لائحة الزعماء، ولكن الآن الوضع غير. مثلاً، نتصل بالناخبين للاقتراع، يوافقون ولكن يشترطون قبض المال قبل 6 أيار».
لم تبدأ ظاهرة المال الانتخابي بالظهور بعد في طرابلس. هناك انتظار لزيارة سعد الحريري لطرابلس «مع الشنطة»، وفق أحد مسؤولي الماكينات الانتخابية. خصوم تيار المستقبل يترقبون ذلك أيضاً، «ليبنوا على الشيء خطواتهم المستقبلية في كيفية صرف الأموال الانتخابية». حتى إنّ أبناء طرابلس، بدأوا ينتفضون ضدّ ممارسات الأنظمة الأمنية القمعية. «مش فارقة معنا»، يقول أحد الشبان في التبانة. يُخبر عن شقيقه الذي لديه ملفّ قضائي، «اشترطوا (المستقبل) أنّه ليُقفل الملفّ، عليّي أن أنتخب معهم». يرفع الشاب صوته كثيراً وهو يتحدّث كيف «ضَحِك» عليهم: «وافقت في العلن، ولكن في السرّ أنا مع أشرف ريفي». ابن التبانة، أحد أعضاء «الخلية النائمة» للواء المتقاعد، «لا نُجاهر بأننا معه، ولكنّنا كُثر وسنُفاجئهم تماماً كما فعلنا في الانتخابات البلدية». لماذا ريفي؟ «لأنّه ضدّ حزب الله وبشار الأسد. ونحن ضدّ الحريري والمشنوق». قبل أن يدلو الشاب برأيه، كان يستمع مع صديقٍ له إلى تسريب صوتي على تطبيق «الواتساب»، لسيدة تسأل جورج بكاسيني: «أنا بالزاهرية، بدّي روح على الميتين، كيف؟». الهدف منه أن يُقال: «المستقبل مرشح حدا بطرابلس ما بيعرف الشوارع».

قال أحمد الحريري لأهالي الموقوفين: ولا مرّة قلنا إنّ الملفّ سيُحَلّ قبل الانتخابات أو بعدها


لأحمد محمد، رأيٌ مختلف. أصابع يديه المُلونتين بالفحم الأسود، تُمسك بصورةٍ بهُتت ألوانها لسعد الحريري، أيّام «السكسوكة». لا يهتمّ بـ«عجقة» عناصر الجيش الأربعة المُنشغلين بمعرفة الهدف من وجود كاميرا فوتوغرافيّة تدور في شوارع التبّانة. يُقاطع حديثهم مراراً، مُصراً على التقاط صورةٍ له، مع «الأمانة» بين يديه. يدّعي أنّ «جماعة الميقاتي عرضوا عليّي 500 ألف ليرة، بس أنا ما بغيّر. الله هيك بدّو. بدّو سعد». يترك الكاراج حيث يعمل في الفحم، طالباً مرافقته إلى «قنٍّ» صغير، تحرسه بوابة حديد صغيرة. «قدّيش عمرها الصورة؟ من الـ2005». صورة سعد الحريري وخالد الضاهر، «هيدا بغيّر. أنا لا».
بعيداً عن الشارع المُنقسم بين ميقاتي وريفي والمستقبل، هناك فئة اللامبالين. «كلّن عم يحكوني تا أنتخب». صاحب الدكّان المتواضع، يُخبر عن «الناس الجوعانة. شفتو كلّ هالصور؟ ولا شي، ما بيعنو شي. كم واحد مستفيدين. بس الناس جوعانة وما حدا عاملنا شي». ردّ الصاع على تدمير واحدة من أجمل المُدن وأعتقها على المتوسط، «يجب أن تكون بمقاطعة الانتخابات».