لم يدم اعتكاف المرشح القومي غسان الأشقر عن الترشح أكثر من شهر. أعاد الحزب القومي ترشيحه لتفادي مشكلات حزبية متنية على أبواب الانتخابات النيابية. فاز الأشقر بالسياسة قبل أن تبدأ معركة الأرقام. الثمانيني يعود حاملاً بارودته ليقاتل خصومه المنتشرين سواء في اللائحة التي ينتمي إليها المرشح القومي الرسمي أو في باقي اللوائح.لا يكاد مرشح الحزب القومي عن المقعد الماروني في المتن الشمالي غسان الأشقر ينهض عن كرسيه لينتقل من غرفة الى أخرى، حتى يتلفت يمنةً ويساراً: «ما فيكي تبرمي ضهرك لحدا بقا، في 7 باللايحة ضدي وأنا ضد السبعة». السبعة هم زملاء الأشقر في لائحة التيار الوطني الحر في المتن الشمالي. وبالمناسبة، لم يجتمع «الأمين غسان» بأيّ منهم حتى الآن.
فعلياً، معركة المرشح القومي ليست مع اللوائح الأخرى بقدر ما هي مع مرشحين اثنين لهما خلفية قومية: المرشحة عن المقعد الماروني كورين الأشقر والمرشح عن المقعد الأرثوذكسي الياس بو صعب. رغم ذلك، يضحك النائب السابق لدى سؤاله عن المنافسة في البيت الواحد: «كورين بتاخد أصوات من ضبيه وأنا بعوضهم من غير مطرح». يضيف: «قبلان (والد كورين) متل خيّي وصديق بيّي وعلاقتنا عمرها أكثر من 60 سنة، ولكننا لم نتواصل معاً منذ ترشح ابنته. شو بدو يقللي وشو بدي قللو».
وماذا عن بو صعب؟ «شاطر وصحتين عالأصوات يلي بياخدها»، يجيب الأشقر، ثم يضيف: «ما تستهونوا فيي، أنا مقاتل شرس والساحة مش داشرة. صرت مرشح الحزب الرسمي». لحظات ويكشر ابن أسد الأشقر عن أنيابه. يقف أمام رأس أنطون سعادة المنحوت بدقة والذي حمله والده من الولايات المتحدة الى لبنان، ليرفع صوته: «أقول للقوميين عليكم أن تختاروا بين أيّ مرشح وبين أنطون سعادة. ما في حدا أحسن من أنطون، وسعادة يمثله الحزب فقط». يكتسب الحديث جدية استثنائية عند الحديث عن المؤسّس، «الزعيم (سعادة) لم ينشئ ساحة للتنزّه. لا يمكن للشخص، أي شخص، أن يقضي حياته في شمّ الهواء والسياحة والسفر ثم عند المصلحة يعود مدّعياً القومية أو أنه يريد للحزب أن يتبنّاه لأنه قرابة فلان ويمون عليه».
في زحمة المرشحين «القوميين»، يخيّر الأشقر الناخبين بين سعادة وأيّ مرشح آخر


في عباراته، يغمز «الأمين غسان» من قناة المرشحين المتلطّين خلف شماعة القومية، وعلى رأسهم فادي عبود الذي كان يسعى لفرض نفسه مرشحاً قومياً، رغم أنه لم ينشط يوماً في الحزب. وبالمناسبة، لم يكن الأشقر في وارد الترشح، وكان قد أبلغ رئيس الحزب بذلك، قبل أن ينقسم القوميون حول ترشيح عبود، فيطلب منه رئيس الحزب حنا الناشف الترشح لتفادي الانقسام. كل ذلك انتهى اليوم، «أنا المرشح ومصلحة الحزب فوق كل اعتبار. بدي قاتل وما تفتكروني قليل». ولكن ماذا عن تصريحك السابق لـ»الأخبار» عن رفضك الجلوس مع «الزعران» مرة أخرى؟ «الظروف فرضت عليّ الترشح مجدداً. سأجلس مع «الزعران» وبدي سبّ. ينبغي أن نقف بوجه النظام المهترئ والفاسد ونصرخ في وجهه: كفى».

«بدي إنزل عالمجلس تجيب حمار»
المشاريع «المزتوتة» في البلد أكثر من كافية: «سأستعمل مجلس النواب كمنبر، وسيكون عملي الاساسي توسيع الساحة المدنية لنتمكن من مواجهة الساحة الطائفية». أما النقطة الثانية، فهي تعزيز «المعرفة والعلم عبر المحافظة على الجامعة اللبنانية والمدرسة الرسمية التي تخطط الدولة لخصخصتها. مشروعي التخفيف من ويلات الدولة على شعبها». وسواء نجح أو لم ينجح «منزلنا مفتوح دائماً»، يقول الأشقر.
ورغم أنه يؤخذ على الأشقر عدم مبادرته في السنوات التي تلت خسارته في انتخابات 2009 الى رفع صوته ضد أي قضية، بعكس والده أسد الأشقر (رئيس الحزب القومي الاسبق) الذي دفع ثمن صوته سجناً وتضييقاً، ولم يتوانَ خصومه الكتائبيون عن هدم منزله في ديك المحدي وكل منازل عائلة الأشقر خلال الأحداث اللبنانية ثم سرقة حجارتها لتشييد منازلهم على بعد بضعة كيلومترات من البلدة. وهو المنزل عينه الذي أعيد بناؤه ويسكنه اليوم الأشقر وشقيقته الفنانة المسرحية نضال الأشقر التي تشكل عمود ماكينة أخيها الانتخابية. «أخذت عن والدي صفتين» يقول الأشقر، «محبة الناس ومحبة الشجر. أحياناً يظنني البعض مجنوناً لأني أتحدث الى الأشجار باستمرار». يتذكر أن والده وبينما كنا نعبر طريق أنطلياس، كان يتوقف أمام أشجار الصنوبر لتفحصها ثم إرسال عمال لتشحيلها ما ان يبلغ المنزل، رغم عدم معرفته بأصحاب الأرض أو أخذ إذنهم مسبقاً. «الشجرة مقدسة كما الأرض»، يضيف.
لا حاجة هنا لسؤال القوميّ غسان الأشقر عن شغفه. يكفي أن يكون منزله في ديك المحدي واقعاً وسط غابة من أشجاره المفضلة: الصنوبر والأرز والزيتون. «ما باكل من برا شي، كلّو بزرعو. أولاد شقيقي يحبون الطبيعة مثلي، وقد أنشأت لهم مزرعة فيها كل أنواع الحيوانات. منذ مدة، يصرّون على أن آتيهم بحمار». يضحك عالياً: «من وين بدي جبلهم حمار، بدي انزل عمجلس النواب للاقي واحد». يصعب على الثمانيني إخفاء حسّه الفكاهي لأكثر من دقائق معدودة. ويصعب عليه أيضاَ إخفاء العتب على العونيين الذين نصبوا له فخاً ضمن اللائحة، ولو أنه لا يعلق على السؤال نفسه، بل يكتفي بالقول: «البلد ضحلت فيه الثقافة والأخلاق وهما أساس الدول».

لا صور للأشقر حتى في بلدته
تعدّ عائلة الأشقر واحدة من أكبر العائلات في المتن الشمالي، ولكنها لا تصوّت كبلوك واحد، بل تتوزع على مختلف الأحزاب. وينحدر المرشح القومي من عائلة مثقفة بامتياز، والده مؤرخ وسياسي، حقق انتصاراً تاريخياً في انتخابات 1957 على المرشح الكتائبي موريس الجميل في قلب عرينه، وشقيقته الفنانة نضال الأشقر، فيما هو درس الفلسفة والاقتصاد والسياسة في جامعة أوكسفورد، لينتقل بعدها لدراسة اللغات «الميتة» كالسريانية والكلدانية وغيرهما في لندن. قصة ترشحه كما يرويها بسيطة جداً: «رشّحني الحزب أول مرة، انبسطت بالقصة وطحشت وصرت أترشح عطول». يبدو لافتاً اليوم أن صور الأشقر تعدّ على أصابع اليد حتى في قلب بلدته: «ما بحب الصور، وهي مكلفة، وأنا مصرياتي على قدّي والحزب أفقر مني. عنا عشرات العيل والشهدا لنساعدهم، ما فينا نفرّط بمالنا بالانتخابات». وكما عادته، لا بد من التنكيت: «أصلاً في ناس صورهم بشعة ومقيتة بيتطلع فيهم الواحد وبيسأل حالو كيف بدو ينتخبهم». لا بدّ أخيراً من العودة الى الجدّ، «فالبلد اليوم يموت». وبحسب الأشقر «الأحزاب والبلدان والطوائف لا تدرك موتها إلا بعد نحو 30 عاماً. ومؤشرات موتها تكمن في انعدام الابتكار وفي قلة إنتاج المبدعين كالشعراء والفلاسفة والأدباء. عندما نعجز عن تسمية خمسة مبدعين فقط أنتجهم مجتمعنا في السنوات الأخيرة، نكون قد متنا وشبعنا موتاً».