المال الانتخابي في زحلة على عينك يا تاجر. من يملك مالاً يدفع، سعياً لحجز مقعد نيابي سيكون الأغلى في هذه الدائرة. لذلك، تبدو الأحزاب الحلقة الأضعف في هذا الصراع. وباستثناء ماكينة حزب الله، ونسبياً ماكينة الكتلة الشعبية، تتحكم ماكينات رجال الأعمال بالمشهد الانتخابي في دائرة البقاع الأولى.الحملات الانتخابية تتواصل في كل لبنان، لكن يبقى لزحلة طابعها الفريد. تشكل الدائرة مثالاً مصغراً عن كل البلد. إضافة إلى التنوع الطائفي لمقاعدها، تشهد دائرة زحلة زحمة متمولين حولوا المعركة إلى مزاد علني. في كل لائحة، هناك من هو مستعد لدفع ثمن المقعد النيابي بملايين الدولارات. المال الانتخابي ظاهر للعيان. عمليات حجز بطاقات الهوية تنشط في زحلة ولا أحد مستثنى منها. «فالناخب الذي لا نضمن ولاءه نشتري هويته، فإذا لم يكن اقتراعه مؤكداً لنا، نضمن عدم اقتراعه إلى غيرنا من المرشحين» يقول أحد العاملين في ماكينة انتخابية زحلية!
بين نقولا فتوش وميشال ضاهر وسيزار المعلوف ونزار دلول، على سبيل المثال لا الحصر، تتطاير الأموال يمنةً ويسرةً في زحلة. حتى نشر الصور واللافتات في كل مكان، يوحي بأن المدينة تشهد حرباً مالية شعواء. في هذه الخانة، يحار المرء من حقّق الرقم القياسي في نشر الصور والإعلانات الانتخابية، فتوش أم ضاهر أم معلوف؟
حتى اللائحة الواحدة المتحالفة، نظرياً، تجد نفسها غارقة في الصراع على الأصوات التفضيلية، في إطار التنافس على حجز الترتيب الأعلى تمهيداً لاقتناص المقعد الموعود. مثلاً، يجنّد ميشال ضاهر ثقله المالي سعياً لدخول نادي الحصانة. أمامه في الإحصاءات كل من سكاف وفتوش ومرشح القوات اللبنانية جورج عقيص.
زيارات أحمد الحريري لم تساهم في لململة الخلافات المستقبلية


كانت القوات قد أعلنت أنها تضع ثقلها خلف مرشحها عقيص، لكنها بنتيجة التوازنات التي ظهرت بعد تسجيل اللوائح، عدلت خياراتها. صارت الأولوية للمقعد لا للاسم. سيزار المعلوف أثبت أنه سيكون منافساً جدياً على المقعد الأرثوذكسي، وخاصة أنه يظهر جلياً أنه صاحب ماكينة انتخابية متماسكة، تعوض غياب فاعلية ماكينة القوات. ولهذا، بدأت أوساط قواتية تتحدث عن مرشحين للقوات هما المعلوف وعقيص، فيما ذهب سمير جعجع في زيارته لزحلة أبعد من ذلك، إذ لم يحصر الدعم باسم أو اثنين، داعياً إلى التصويت للائحة، انطلاقاً، ربما، من ثقته بأن أي اسم فائز سيكون حتماً في كتلة القوات النيابية، باستثناء إيلي ماروني.
لا يملك ماروني الكثير من الخيارات التي تسمح له بالمحافظة على مقعده النيابي. هو محكوم بانتظار نتيجة خصمه سليم عون، لكنه حتى ذلك الحين، يسعى إلى القيام بكل ما يمكن لتعزيز حظوظه. لا يكترث ماروني للاعتراضات التي تواجهه من داخل معقله الكتائبي. الماكينة الانتخابية الكتائبية تعمل، لكن بما لا يتناسب مع حجم المعركة. «ليس صحيحاً أن ماكينة الحزب لا تعمل»، يقول ماروني، مشيراً في المقابل إلى أنه ليس من الضروري إجراء العراضات أمام مقر الحزب لتبيان عمل الماكينة، سائلاً: أليس شبان الحزب هم من ينسقون النشاطات والزيارات الانتخابية التي أقوم بها في المدينة؟
الصراع على المقاعد الكاثوليكية لم يعد أولوية في زحلة. المقعد الأرثوذكسي صار أكثر حضوراً، بالنظر إلى الصراع القاسي القائم بين المعلوف وأسعد نكد، إذا تمكن الأخير من التفوق على الأول بالأصوات التفضيلية. ذلك يعني في المقابل، ربما، هزيمة المرشح الرسمي للتيار (عون)، علماً بأنه نتيجة الحساسيات الداخلية في التيار، فإن جزءاً لا بأس به من عونيي زحلة يعمل لمصلحة نكد، منهم وزير سابق ومنسق سابق للتيار. وإذا كان يتوقع أن تحصل اللائحة على ثلاثة مقاعد، فإن المرشحين عاصم عراجي وماري جان بيلازكجيان سيكملان حصة اللائحة على الأغلب لا عون. إلا أن ذلك يحتاج إلى تحسين المستقبل لوضعه الانتخابي في الدائرة، والذي لا يبدو في أفضل أحواله. ولأن زيارات الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري لم تساهم في لململة الخلافات المستقبلية الداخلية ولا في شد العصب السني، فإنه ينظر إلى الزيارة التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري خلال أيام كفرصة أخيرة لاستنهاض ما يمكن استنهاضه، قبيل 6 أيار.
هذه الانتخابات لا تشبه مثيلتها في عام 2009 بشيء. لا خطاب سياسياً يُقدم للمناصرين. وحتى التجييش، بالمفرق، ضد سوريا، صار رخيصاً، في ظل اختلاط التحالفات وتبعثر المعسكرات. من المفارقات بالسياسة، أن نكد وضاهر اللذين يخوضان الانتخابات مع التيار الوطني الحر كانا في صلب الجو الداعم للقوات في عام 2009، وكذلك كان المرشحان على لائحة الكتلة الشعبية بول شربل ونقولا سابا، فيما خليل الهراوي الذي يخوض المعركة حالياً في لائحة نقولا فتوش، انسحب في عام 2009 لمصلحة لائحة 14 آذار.