لم تنجح الحركة النسوية في لبنان في تضمين قانون الانتخاب «كوتا» نسائية، وهي خطوة تعتبرها مهمة على الطريق الطويل المؤدي الى المشاركة في القرار السياسي. ورغم اختلاف الآراء بين معارض لـ«الكوتا» ومؤيد لها، إلا أن هناك إجماعاً على ضرورة دخول المرأة دوائر صنع القرار على أعلى المستويات.في دورة الانتخابات الحالية، تقدمت 111 امرأة بترشحهن (11%)، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات في لبنان. ويعود الفضل في هذا الإقبال الى الفرص التي أتاحها النظام الانتخابي القائم على النسبية (المقننة) لتجديد النخب السياسية، علماً بأن اللواتي استمررن في ترشحهن وانتظمن في لوائح انتخابية بلغ عددهن 85 امرأة، غالبيتهن العظمى غير معروفات كناشطات في المجال السياسي، فيما سبق لعدد قليل منهن دخول الندوة البرلمانية أو الانخراط في الحياة السياسية.
للصورة المكبرة أنقر هنا

لا توفر المعطيات الإحصائية التي نشرت على موقع وزارة الداخلية اللبنانية الكثير من المعلومات عن المرشحات، كالعمر والمستوى التعليمي والمهنة... الخ. لكن من شبه المؤكد أن معظمهن ــــ إن لم يكنّ جميعاً ــــ من حملة الشهادات الجامعية، وبعضهن قادمات من العمل في الصحافة أو المحاماة أو من العمل الاجتماعي الأهلي، والبيئي بشكل خاص. المعلومات الرسمية المتوفرة تقتصر على اسم المرشحة ومذهبها ودائرتها الانتخابية، ويبقى لنا أن نستفيد من هذه المعلومات ودلالاتها الاجتماعية والسياسية.
على المستوى الوطني، هناك 46% من المرشحات من الطوائف الإسلامية مقابل 54% من الطوائف المسيحية، علماً بأن المقاعد في المجلس النيابي موزّعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وتزداد هذه الفجوة اذا أُخذت في الاعتبار نسبة المرشحات على مجموع الناخبات الذي يناهز 64% عند الطوائف الإسلامية، بينما تنخفض هذه النسبة الى 36% لدى الطوائف المسيحية. وبهذا المعنى تكون نسبة الإقبال على الترشح أعلى، مرة أخرى، عند المسيحيات منها عند المسلمات.
توزّع المرشحات حسب المذهب يشير إلى أن العدد الأعلى منهن من الطائفة المارونية (31)، يليه عدد المرشحات من الطائفة السنية (29)، فالطائفتين الأرثوذكسية والشيعية (13 لكل منهما)، علماً بأن عدد الناخبات الشيعيات هو أربعة أضعاف الناخبات الأرثوذكسيات، وأن عدد المقاعد الشيعية في البرلمان ضعف عدد المقاعد الأرثوذكسية تقريباً.
عدد المرشحات الأعلى (33) هو في محافظة بيروت، تليها محافظة جبل لبنان (30)، فالشمال (15)، ثم البقاع (10) وعكار (9) ومحافظتي الجنوب وبعلبك الهرمل (خمسة لكل منهما)، وأخيراً النبطية (4). يشير ذلك إلى أن قوة الترشح النسوي تتركّز في المركز وتضعف تدريجياً كلما ذهبنا في اتجاه الأطراف. واللافت أن المحافظات الأقل ترشحاً للنساء هي: بعلبك الهرمل والجنوب والنبطية، وهي محافظات ذات غالبية شيعية. ونقترح تفسير عزوف النساء عن الترشح في هذه الدوائر بثلاثة عوامل:
الثقافة المحافظة في الوسط الشيعي.
الطابع الريفي المحافظ الغالب في هذه المناطق.
الحظوظ المتدنية للمرشحين والمرشحات في اختراق اللوائح القوية لثنائي حزب الله ــــ حركة أمل. وهذا، في رأينا، السبب الأهم، علماً بأن قرار حزب الله كان بعدم ترشيح إناث في هذه الانتخابات، فيما لحركة أمل مرشحة واحدة هي الوزيرة عناية عز الدين في دائرة صور.
يظهر أن العدد الأعلى من المرشحات هو في دائرة بيروت الثانية ذات الغالبية السنية (21 مرشحة)، فدائرة بيروت الأولى (12)، ثم قضاء المتن (11)، وطرابلس (10). ويُلاحظ بوضوح أن المناطق الأكثر ترشحاً من النساء ذات طابع مديني خلافاً للأقل ترشحاً التي يغلب عليها الطابع الريفي كبعلبك الهرمل والنبطية والكورة وزغرتا وبشري. فيما تُستثنى عكار التي عرفت ترشحاً نسوياً متوسطاً، إذ قدّمت لائحة نسائية تضم خمس مرشحات وخالية من الذكور. بهذا المعنى، يمكن القول إن عكار من أكثر المناطق تقدماً من حيث الوعي السياسي النسوي. والمعروف أن هذه المنطقة الأشد حرماناً في لبنان وتتميز بتنوعها الطائفي، ونشاط الأحزاب العلمانية فيها.
للتعرف إلى الفروقات بين الدوائر الانتخابية ومستوى مشاركة المرأة في الحياة السياسية، نقترح مؤشراً يعتمد على عدد المرشحات في الدوائر الى عدد الناخبات. وتبعاً لهذا التصنيف، يتبيّن أن دائرة بيروت الثانية تقع في المرتبة الأولى، حيث نجد مرشحة لكل 8.1 آلاف ناخبة، تليها دائرة المتن (مرشحة لكل 8.3 آلاف). وفي المقابل، تسجّل محافظة النبطية مرشحة لكل 57.5 ألف ناخبة، وصور الزهراني مرشحة لكل 50.3 ألف. فيما تقع عكار في الترتيب الوسط، وهو المعدل الذي يمثل المتوسط الوطني لعدد المرشحات الى الناخبات.
هذا المؤشر، إضافة الى مؤشر المشاركة في الاقتراع (بعد إجراء الانتخابات) ومؤشرات أخرى يمكن اعتمادها، ستسمح بقياس مدى مشاركة المرأة في صنع القرار، وبالتالي مستوى التنمية والتخلف في المجال السياسي حسب المناطق اللبنانية.