لا يوافق عماد بشير، مدير الفرع الأول في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية على أن تهديداً حقيقياً يواجه قطاع الإعلام في لبنان. برأيه، النقاش المحموم حول أنّ المهنة لم تعد مطلوبة هو «مجرد غيمة صيف، بما أنّ التطورات المتلاحقة في هذا العالم تفترض بالضرورة خلق وظائف جديدة، لا سيما أنّ المعلومات، سلعة العصر، التي تنتج وتحلّل وتنظّم تستوجب عملاً أكبر وأوسع». يبدو المدير مقتنعاً بأن دخول التكنولوجيا وحدها على الخط يخلق حتماً فرص عمل إعلامية.ليس بسبب هذا النقاش تتناقص أعداد المنتسبين إلى كلية الإعلام. هؤلاء يمثلون 0.5% من مجموع طلاب الجامعة اللبنانية فقط. لا يتجاوزون حالياً 2200 طالب في الفرعين الأول والثاني بمن فيهم طلاب الماستر. بالنسبة إلى بشير، التراجع ليس في الإقبال على الإعلام نفسه بل في القدرة الاستيعابية وتحديد العدد المطلوب في مباراة الدخول، وتهيّب الطلاب للكلية التطبيقية الصغيرة نفسها «التي لا تزال أم الكليات وأقسام الإعلام في الجامعات».
لكن الكلية، وهي تحتفل باليوبيل الذهبي لتأسيسها، تواجه تحديات لنواحي الاختصاصات المتوافرة فيها وطرائق تدريسها وكادرها التعليمي والإداري.
أول التحديات يكمن، بحسب بشير، في القناعة بأن «التعليم يحتاج إلى تطوير دائم وتحديث مستمر لقدراتنا الأكاديمية، وأن الكفاءات التي ترتكز عليها مقررات التدريس تتطلب مراجعة مستمرة لتدارك ما فات منها وإضافة ما هو مستجد عليها في المجالين الأكاديمي والمهني».
تبني مفهوم «الاحتراس الرقمي» هو، كما يقول بشير، من التحديات الداهمة لجهة دخول المعلوماتية في ثنايا مقررات التدريس بغض النظر عن طبيعة المقرر النظرية أو العملية. تتماشى مع هذا التحدي مجموعة من المتطلبات تتناول إنشاء مختبرات بحثية ومهنية.
يجزم بأنّ «ما تمتلكه الكلية من استوديو إذاعي وتلفزيوني ومختبرات كومبيوتر رغم تواضعه كاف للطلاب الذين ندعوهم إلى أن يكونوا مطمئنين إلى مستقبلهم لكونهم بين أياد أمينة». كيف؟ يشير إلى أن الكلية تختزن في جدرانها وعقول أساتذتها خبرة عمرها 50 عاماً، والمؤسسات تقاس بخبراتها.
يمثل طلاب الكلية 0.5 % فقط من مجموع طلاب الجامعة اللبنانية


لكن هذا لا يحجب التحدي الآخر الذي يتحدث عنه بشير وهو أهمية خلق بيئة تدريب وتطوير مستمرين من خلال ورش عمل أكاديمية ومهنية يشارك فيها الكادر التعليمي باختصاصاته كافة وتتضمن التطوير الذاتي المستمر.
إلى جانب إحياء مركز التدريب الخاص بالكلية، ثمة تحد يكمن في استكمال انطلاقة مركز الأبحاث لجهة تأمين المكان اللائق والميزانية الوافية.
هنا يتناول بعض الأساتذة ضياع هوية الكلية بين أن تكون مدرسة صحافة أو كلية بحثية.
في عيدها الخمسين، نظمت «كلية الكلمة» أمس احتفالاً مركزياً في قاعة المؤتمرات في المجمع الجامعي في الحدث كرمت خلاله المتخرجين الأوائل، وهي تحتضن اليوم في الفرع الأول وغداً في الفرع الثاني أنشطة ثقافية وفولكلورية حيث يستضيف أهل كلا الفرعين الفرع الآخر.
رغم التفريع الذي يضرب المستوى الأكاديمي ويعزز الفرز الطائفي في الجامعة اللبنانية، حافظت كلية الإعلام على فرعين فقط، وسعت في السنوات الثلاث الماضية إلى توحيد البرامج والامتحانات والجهود البحثية، إذ أنشئ مركز أبحاث واحد.

رحلة العبور
مرّ إنشاء كلية الاعلام بمراحل عدة منذ أن وضع الحجر الأول مع صدور المرسوم التنظيمي في 5 تشرين الأول 1967 لـ «معهد الصحافة». لأسباب تتعلق بالميزانية وبعض الصعوبات المالية، دشّن المعهد في تشرين الثاني 1969، إلاّ أنّ السنة الجامعية 1968 ــــ 1969 لم تذهب هدراً، فنظم المعهد، طوال أربعة أشهر، ندوات حول جوانب مختلفة من القضايا: تاريخ، حقوق، اقتصاد، تكنولوجيا وعلوم الاجتماع. ومع تطبيق المرسوم التنظيمي، قسّم المعهد إلى فرعين: فرع للصحافة وفرع للأبحاث الذي لم يعمل فيه إلاّ بعد نحو 40 عاماً. في عام 1971، حمل «معهد الصحافة» بموجب المرسوم 309 اسم «معهد الإعلام» وحصل تغيران مهمان: الأول، امتدت سنوات الدراسة إلى أربع سنوات بدلاً من ثلاث، والثاني إضافة تخصصات تعليمية جديدة: راديو ــــ تلفزيون، إعلان وعلاقات عامة.
في عام 1975، عدّلت التسمية لتصبح «كلية الإعلام والتوثيق»، بعدما أنشئ قسم التوثيق، وكان يعوّل على هذا الاختصاص الواعد.
وبما أن الاختصاصات والمناهج المعتمدة في الكلية لم تعد تتناسب مع سوق العمل، اعتمدت الكلية في حزيران 2005 نظام التدريس المعروف بالـ «LMD» وهو مبني على المقررات والفصول والأرصدة باعتماد ثلاث سنوات. وفي عام 2012، عدّلت تسمية كلية الإعلام والتوثيق الى «كلية الإعلام».
إلى ذلك مرّت الأقسام بتغيرات وتحولات، ففي الصحافة أنشئ الاختصاص تحت مسمى «صحافة ووكالات أنباء»، ثم في العام 1971 ــــ 1972 أنشئ قسم «الراديو والتلفزيون». وفي عام 2012، دمج مع الصحافة المكتوبة. «والصحافة» هي أكثر الاختصاصات تسجيلاً في الكلية لشهرتها الواسعة في المجتمع.
أما «الإعلان والعلاقات العامة» فبدأ يدرس في العام 1971، وفي العام 2017 انفصل إلى قسمين: «الإعلان والاتصال التسويقي» و«العلاقات العامة واتصال المؤسسات».
مع التطور التكنولوجي، تطور بشكل كبير قسم إدارة المعلومات الذي كان يعرف منذ البدايات باسم «التوثيق»، سواء لناحية ادخال مقررات جديدة مرتبطة بتكوين اختصاصيين في البيئة الرقمية، أو لجهة تطوير الجانب التطبيقي في المنهج القائم.