منذ عشرين عاماً، لم يتلقَّ المجلس الدستوري أي طعن بقانون الموازنة العامة. في عام 2017، جرت محاولة من حزب الكتائب، إلا أنه نتيجة الضغوط، التي تردد أنها مورست على النواب، لم يتمكن معدو الطعن من الحصول على عشرة تواقيع تسمح بتقديمه. كان ذلك بعد نجاح الحزب نفسه في الحصول على التواقيع العشرة المطلوبة للطعن بقانون الضرائب المرافق لسلسلة الرتب والرواتب، والذي أفتى المجلس الدستوري بإبطاله لاحقاً.تؤكد مصادر كتائبية لـ«الأخبار» أن الطعن الذي قدمه أمس رئيس الحزب سامي الجميِّل إلى المجلس الدستوري، أُعدَّ فور الانتهاء من إقرار الموازنة في 29 آذار الماضي، من قبل المحامية لارا سعادة، حيث بوشر بعدها السعي إلى جمع عشرة تواقيع. وبالفعل، وقَّع المراجعةَ نوابُ الكتائب الخمسة (سامي الجميِّل، فادي الهبر، سامر سعادة، إيلي ماروني ونديم الجميِّل) إضافة إلى النواب: سيرج طورسركيسيان، دوري شمعون، إيلي عون، بالإضافة إلى جيلبيرت زوين ويوسف خليل، وهما يحملان حتى الآن صفة العضوية في تكتل التغيير والإصلاح!
عند النجاح في تحقيق العدد المطلوب (10 نواب)، لم يعد ينقص سوى انتظار نشر القانون في الجريدة الرسمية، الذي تأخر إلى الخميس الماضي.
لا شك في أن التحالفات الانتخابية سمحت بعدم تكرار تجربة 2017، وعرف حزب الكتائب تماماً كيف يواجه احتمال الضغوط، خاصة أن ما يجمع الموقعين على الطعن، من غير الكتائبيين، هو عدم انضمامهم إلى لوائح السلطة في دوائرهم، واضطرارهم إما إلى خوض الانتخابات في لوائح أخرى، أو الانسحاب من السباق الانتخابي.
الكتائب نجح في استغلال الخلافات الانتخابية لجمع عشرة تواقيع


صار الطعن أمراً واقعاً، وقد تبين أنه لا يطاول المادة 49 من الموازنة (إعطاء الأجنبي الذي يتملك عقاراً في لبنان حق الحصول على إقامة) فحسب، بل يطاول جوهرها أيضاً.
المادة 49 كانت مادة جدال انتخابي في الأسبوع المنصرم بين النائب سامي الجميِّل ومؤيديه من جهة، والنائب إبراهيم كنعان ومؤيديه من جهة أخرى. الجميِّل كان قد أعلن أن هذه المادة تعطي حق الإقامة الدائمة لمن يتملك شقة، فيما أنكر كنعان ذلك، معتبراً أن المادة، في صيغتها الأولى، كانت تعطي حق الإقامة الدائمة، لكنها عُدِّلَت لتصبح مؤقتة، بعد ربطها بملكية الشقق، داعياً إلى عدم استعمال هذه المادة التي لا علاقة لها بالتوطين بالمزايدات الانتخابية. لكن مع نشر القانون في الجريدة الرسمية، حسم النقاش، وتبين أن حق الإقامة الدائمة محفوظ لكل من يتملك شقة مدى الحياة، علماً أن هذه الإقامة لن يكون بالإمكان إلغاؤها في حال بيع الشقة بموجب وكالة أو تأجيرها، أضف إلى أن الأجهزة المعنية لا قدرة لها على المراقبة.
في السياق نفسه، كان قد صدر بيان عن رئاسة الجمهوية، يشير إلى أن الرئيس ميشال عون وجّه قبل ظهر أمس رسالة إلى مجلس النواب بواسطة الرئيس نبيه بري، طالباً إعادة النظر في نص المادة 49 وبالشروط التي حددتها المادة المذكورة لإعطاء الأجنبي حق الإقامة عند تملكه لوحدة سكنية. وقد أوضحت أوساط رئاسة الجمهورية أنه على أثر الطعن، بادر عون إلى الاتصال ببري، وتوصلا إلى نتيجة أنه ما دام المجلس الدستوري وضع يده على الطعن الذي يتناول بجانب منه المادة 49، ارتأى الرئيسان التريث في متابعة الموضوع، لأنه حسب القانون كان سيدعو بري إلى جلسة لتلاوة رسالة الرئيس عون خلال ثلاثة أيام. وأشارت الأوساط إلى أنه بانتظار ما سيصدر عن المجلس الدستوري «يبنى على الشيء مقتضاه».
في الطعن المقدم من النواب العشرة، تعداد للمخالفات الدستورية التي تنطوي عليها الموازنة، وفي طليعتها غياب قطع الحساب، الذي يشكل موجباً دستورياً، بحسب المادة 87 من الدستور، يجب أن يسبق إقرار الموازنة.
في قانون موازنة 2018 لا إشارة إلى قطع الحساب. بل جرى تجاهله بنحو مطلق، بحجة أن قانون موازنة 2017، كان قد تضمن مادة (المادة 65) بقيت سارية المفعول حين إقرار موازنة 2018، وتنص على أنه «على سبيل الاستثناء ولضرورات الانتظام المالي العام، ينشر هذا القانون، وعلى الحكومة إنجاز عملية الإنتاج لجميع الحسابات المالية المدققة منذ عام 1993 وحتى عام 2015 ضمناً، خلال فترة لا تتعدى السنة، اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون وإحالة مشاريع قوانين قطع الحساب عن السنوات التي لم تقر فيها إلى المجلس النيابي».
لو حصل الطعن بموازنة 2017، لكان المجلس الدستوري قد أبطل الموازنة حكماً، فالمادة السابقة ليست سوى تسوية سياسية مخالفة للدستور، بشهادة أكثرية النواب الذين صوتوا مع الموازنة.
كذلك يتطرق الطعن إلى «فرسان الموازنة»، أي المواد التي يفترض أن لا تكون جزءاً من قانون الموازنة، كالتعديلات على الضرائب وقوانين البرامج والمواد التي تتعارض مع سنوية الموازنة، وكذلك المادة 49، التي يعتبر الطعن أنها مخالفة لمقدمة الدستور. كذلك يخالف قانون الموازنة مبدأ الوحدة والشمول، أضف إلى مخالفته مبدأ فصل السلطات وتوازنها عبر منع مجلس النواب من ممارسة صلاحياته الرقابية والمالية.

رئيس الجمهورية يتريث في رسالته المتعلقة بالمادة 49 بعد تقديم الطعن


وقد شدد الجميِّل، بعد تقديم الطعن، أن الهدف منه هو وقف الخطأ الكبير الذي ارتكب بحق البلد من خلال المادة 49 أولاً، وثانياً إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح على الصعيد المالي في لبنان ووقف التعدي على مالية الدولة.
ولفت الجميّل الانتباه إلى أن المجلس الدستوري لديه الفرصة للنظر بموازنة عامة ووضع الأصول الصحيحة، متمنياً أن «يلعب المجلس الدستوري دوره الكامل لمنع هذه الأساليب من الممارسة في المستقبل».
وفيما علمت «الأخبار» أن رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان كان خارج البلاد، إلا أنّ من المتوقع أن يعود اليوم، فيدعو إلى جلسة يتوقع انعقادها غداً، لدرس ما إذا كان يقتضي تعليق مفعول النص موضوع المراجعة. وبحسب قانون المجلس، فإن الرئيس يقوم بتبليغ نسخة عن المراجعـة إلى الأعضاء ويعين مقرراً من بينهم (يبقى اسمه سرياً). بعد ذلك، يضع المقرر تقريره ويقدمه إلى المجلس خلال مهلة أقصاها 10 أيام من تاريخ إبلاغه قرار تعيينه، على أن يدعو رئيس المجلس الأعضاء خلال خمسة أيام للتداول في جلسة تبقى مفتوحة إلى أن يصدر القرار، في مهلة أقصاها 15 يوماً. ويفترض بهذه الآلية أن تنتهي خلال مهلة شهر من تاريخ تقديم الطلب، حيث يتخذ القرار بأغلبية سبعة من عشرة أعضاء.
لا نقاش في أن الموازنة مخالفة للدستور. كل الخبراء الدستوريين يقولون ذلك. فهل يتمكن المجلس من استغلال الفرصة لتثبيت قواعد إعداد الموازنة وفق الأصول؟ ثمة رأيان: الأول، يتوقع أن يؤدي انتهاء ولاية أعضاء المجلس، والتوجه إلى تعيين مجلس جديد بعد الانتخابات، إلى تحرير أعضائه من أي ثقل سياسي، تمهيداً لإصدار قرار تاريخي. أما الثاني، فلا يستبعد استعادة سيناريو التمديد الأول للمجلس النيابي، بحيث يتغيب عدد من الأعضاء ولا يلتئم المجلس الدستوري.



الطعن الأول والثاني بالموازنة

(هيثم الموسوي )

منذ تأسيس المجلس الدستوري في عام 1993، لم يُطعن في قانون الموازنة إلا مرتين. وفي المرتين، لم يصل أعضاء المجلس إلى مرحلة مناقشة مضمون الطعن، بل ردوه في الشكل.
في عام 1996، تقدم النواب: حسين الحسيني، رشيد الصلح، زاهر الخطيب، ميشال سماحة، نجاح واكيم، فؤاد السعد، أسامة فاخوري، حبيب صادق، عصام نعمان ومصطفى سعد بالطعن الأول بقانون الموازنة، ورُدّ طعنهم لأنه قُدّمَ خارج المهلة القانونية (بعد مرور 15 يوماً على نشر القانون في الجريدة الرسمية).
في المرة الثانية (1998)، ردّ المجلس الدستوري الطعن المقدم من النواب: نجاح واكيم وبيار دكاش ومصطفى سعد، لأنه بموجب قانون إنشاء المجلس لا تقبل المراجعة المتعلقة بدستورية القوانين إذا لم يقدمها عشرة أعضاء من مجلس النواب على الأقل.