بعد خوضها معركة «هوية أميون»، في الانتخابات الفرعية في عام 2013، ضد الحزب القومي، خسرت القوات اللبنانية مقعدها النيابي في 2018. قرار الكورة، قومي ــ مردة ــ عوني. زغرتا هي التي أسقطت «القوات»، وأعطت فرصة التقدّم للتيار العوني، بعد أن فشل تيار المستقبل وفريد مكاري في التأثير في الناخبين. انتخابات دائرة الشمال 3، لم تردّ أحداً من «رؤساء الجمهورية» المفترضين خائباً. حلّت التعددية مكان الأحادية.مالت دفّة زغرتا لناحية تيار المردة، مع ارتفاع نسبة الاقتراع فيها، فتمكنت «لائحة معاً للشمال ولبنان»، من الفوز بأربعة مقاعد من أصل عشرة في دائرة الشمال الثالثة. في الشكل، ظَهر أنّه يوجد «توازن قوى» بين الأحزاب الثلاثة «القويّة»: القوات اللبنانية وتيار المردة والتيار الوطني الحرّ. فقد تعادلت لائحتا «نبض الجمهورية القوية» و«الشمال القوي»، بثلاثة مقاعد لكليهما. ولكن عملياً، «ظلمت» زغرتا القوات اللبنانية بالحاصل الانتخابي، فخسِرت قيادة معراب مقعد الكورة لمصلحة التيار العوني. نتيجةٌ تَسَبّب بها قانون النسبية المُشوهة، الذي «تنافس» العونيون والقواتيون على تبنّي أُبوته. إلا أنّ ذلك لا يلغي أنّ «القوات لا تزال الفريق الأقوى في الشمال، كحزب»، بحسب مصادر سياسية في دائرة الشمال الثالثة. في حين أنّ تيار المردة «ثبّت نفسه رابحاً في هذه الدائرة، بالتعاون مع حليفه الحزب السوري القومي الاجتماعي».
بدوره، حلّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أولاً في هذه الدائرة، بنسبة 39,89 في المئة. وأخيراً، بعد دورتين نيابيتين فاشلتين والكثير من «المعارك» لتحقيق هذه الغاية، بات بالإمكان مناداته بـ: النائب جبران باسيل. صحيح أنّه حقّق امتداداً حزبياً صوب الكورة، ولكنّ العوني النشيط جورج عطالله، الذي نال المركز الرابع في القضاء، نَجَح «فلتة شوط». ما يعني أنّ «التيار» في الشمال ٣، لا يزال محصوراً في قضاء واحد، هو البترون. ولا علاقة لواقع الأرقام، بمحاولات وزير الخارجية، تحويل مسقط رأسه إلى «محورٍ» رئيسي في الشمال، يوازي بأهميته السياسية موقع قضاء زغرتا. وجود النائب الجديد الخدماتي في القضاء، ومركزه السياسي، يسمح له بزيادة أحلامه التوسعية. يُضاف إلى ذلك، انكفاء «المردة» خارج البترون، منذ الـ2005، بحجّة أنّ فرنجية كان ضنيناً على أن يكون هناك «حليف ماروني قوي» داعم للمقاومة وللمشرقية، هو الرئيس ميشال عون.

باسيل وجهاً لوجه مع فرنجية
لا يعتبر باسيل أنّ مُنافسه «الأول» هو رئيس «القوات» سمير جعجع، بل النائب سليمان فرنجية. «مهادنة» القوات اللبنانية طيلة فترة الحملة الانتخابية للتيار العوني (باستثناء مقابلة باسيل التلفزيونية يوم الجمعة الماضي)، توحي بذلك. ويؤكد الأمر، ما تنقله مصادر عونية في الشمال من أنّ «فوز القوات بعدد كبير من المقاعد، لا يُزعجنا، لأننا نعرف أنّ التوازنات المحلية والظروف الإقليمية، لن تسمح بانتخاب جعجع رئيساً للجمهورية أو تنصيبه زعيماً للمسيحيين». الخطر مصدره بنشعي في شكل أساسي، ويتفرّع عنها تنورين (بطرس حرب) وكسروان الفتوح (فريد هيكل الخازن)… وغيرها من «الرموز» المحلية التي تُدعّم زعامة فرنجية وطموحاته الرئاسية.
يضع باسيل نفسه بمواجهة رئيس تيار المردة، مُستفيداً من أنّه رجل «العهد القوي»، ليقول إنّ زمن تشكيل زغرتا لقرار البترون السياسي، الذي بلغ أوجّه مع زعامة حميد فرنجية، قد ولّى. في ما مضى، بنى نجلُ قبلان فرنجية، صداقات مع شخصيات في البترون والكورة، تحديداً آل ضو وغصن، قبل أن ينسحب ذلك إلى عكّار وبيروت أيضاً. كان مرجعية أساسية، وحوله تتمحور قضايا الربح والخسارة. فحين سقط يوسف أسعد ضو (البترون) وفؤاد غصن (الكورة)، بدأ خصوم حميد فرنجية يُرددون: «كسرنا الغصن، طفينا الضوّ، تشرشح ابن فرنجية». الردّيات بقيت مُجرّد كلام، مقابل تمدّد زعامة فرنجية، وتناقلها من جيل إلى جيل… وصولاً إلى أيّام الشهيد طوني فرنجية، الذي كان بُحكم «العهد»، برئاسة والده، «يُشكّل» اللوائح الانتخابية في الشمال. ومن حينه، بدأ «التعاون الانتخابي» بين فرنجية والنائب بطرس حرب. في الـ2018، حاولت زغرتا وتنورين إعادة هذا الرباط، فكان حاصل «القوات» الانتخابي، وأرقام مُرشحها في البترون فادي سعد، بالمرصاد لحرب. فسقط بذلك واحد من أبرز «المُستقلين» في ما كان يُعرف بـ14 آذار. إنّه زمن الأحزاب «الكُبرى»، والمستقلين الذين يتفيأون بظلّ التيارات والأحزاب. النائب ميشال معوض، نموذجاً. ولكنّ بطرس حرب، تأثر سلباً أيضاً برفض مناصري «المردة» و«القومي» منحه أصواتهم التفضيلية.

الكورة مفاجأة المفاجآت
في الأرقام، شكّلت الكورة مفاجأة في دائرة الشمال الثالثة. النائب فادي كرم أتى الأول في القضاء، وكان يُفترض أن يكون مقعده مضموناً، في المرتبة الثالثة بعد مقعدَي بشرّي. إلا أنّ «القوات» راهنت أنّ بإمكانها الحصول على أربعة حواصل انتخابية، وبالتالي الربح في البترون والكورة. ولمّا كانت مُطمئنة إلى قوتها الشعبية في القضاء الأخضر، ركّزت عملها على البترون، بعد أن أصبحت معركة فادي سعد «أساسية» بوجه كلّ من سامر سعادة وبطرس حرب.
كانت حظوظ ملحم (ويليام) طوق مُرتفعة لخرق القوات اللبنانية في بشرّي

فأتت النتيجة، قرابة الـ 31.8 في المئة لمصلحة سعد، مقابل الـ31.1 في المئة لِكرم. أرقام «القوات» المُتدنية في زغرتا (نال 7.44 في المئة)، خفّضت حصة حزب القوات من الأصوات، فجرت «التضحية» بكرم. وبعد أن حُسم مقعدان لمصلحة سليم سعادة (القومي) وفايز غصن (المردة)، لم يبقَ في الميدان إلّا مُرشح «التيار»، جورج عطالله (مع قرابة الـ 12.7 في المئة). تقدّم عطالله بالكسر على مُرشح تيار المستقبل وفريد مكاري، النائب نقولا غصن. «ضياع» التيار الأزرق، وعدم اعتباره المعركة «خاصته»، أدّى إلى تشرذم «ساحته»، المُشتتة أصلاً. ولكن، كان «يُعوّل» على ماكينة النائب السابق فريد مكاري، الذي أراد من خلال دعم ترشيح غصن تحضير الأرضية لابنه نبيل. خابت ظنون نائب رئيس مجلس النواب، وفشل في أن يتحول إلى «صانع نواب». الحُجة لدى ابن أنفة، كما نُقل عنه، هي الرشى الانتخابية من قبل بقية اللوائح.

الطوق القواتي على بشري
حتى الساعة الرابعة من فجر الاثنين، كانت ماكينة تيار المردة لا تزال تجمع أرقام الأقلام الانتخابية، «مُتنافسةً» مع القوات اللبنانية. قضاء بشرّي، لعب دوراً رئيسياً في عملية انتظار النتائج هذه، مع ارتفاع حظوظ المُرشح ملحم (ويليام) طوق (25ُ في المئة) في خرق «الطوق القواتي». نال المُرشح جوزف اسحاق قرابة الـ32 في المئة، «لو نال اسحاق 31 في المئة، لكان خسر فايز غصن في الكورة، وتمكّن ملحم من كسب مقعد في بشرّي»، بحسب المصادر. أرقام ملحم طوق مؤشّر جيّد، نسبة إلى شخص ضُيّق على حملته الانتخابية، التي أصلاً بدأها مُتأخراً. وهو قادرٌ على العمل بجدية، لتشكيل جبهة مُعارضة، تُنافس خلال الاستحقاقات المقبلة. بطريقةٍ أو بأخرى، القوى الأساسية جميعها فازت في دائرة الشمال الثالثة. ما حصل، يدلّ على بدء انتفاء «الأحادية»، وإحلال «التعددية» مكانها.