لم تختلف نتائج انتخابات دائرة البقاع الثالثة (بعلبك ــــ الهرمل) عن التوقعات. حصدت لائحة تحالف أمل وحزب الله («الأمل والوفاء») ثمانية مقاعد من أصل عشرة مقاعد، فيما حصدت لائحة القوات اللبنانية وتيار المستقبل («الكرامة والإنماء») مقعداً سنيّاً (بكر الحجيري) ومقعداً مارونياً (طوني حبشي). لا ينفي ذلك سلسلة مفارقات طبعت انتخابات البقاع الشمالي لا يمكن القفز فوقها، إن لناحية الارقام أو الوقائع التي أبرزت اعتراضاًَ شعبياً على تقصير نواب المنطقة.بلغ العدد الاجمالي للمقترعين في بعلبك ـــ الهرمل 181991. نسبة الاقتراع توزعت، مذهبياً، وفق الآتي: 63 في المئة من الشيعة، 41 في المئة من السنّة، 61 في المئة من الموارنة، فيما اقترع 48 في المئة من الكاثوليك.
أولى المفارقات في نتائج بعلبك الهرمل هي نسبة التصويت المسيحي، وجاءت ترجمتها بنيل مرشح القوات اللبنانية (حبشي) 14000 صوت، بينها 889 صوتاً شيعياً.

المفارقة الأبرز شيعياً حلول النواب الجدد في المرتبة الأولى يتقدمهم جميل السيد (هيثم الموسوي)

المفارقة الثانية، تتمثل في تدني نسبة التصويت السنّي في عرسال، والذي لم يتجاوز عتبة 39 في المئة، الأمر الذي صبّ في مصلحة لائحة التحالف (الأمل والوفاء)، لأن ارتفاع هذه النسبة إلى حدود 50 في المئة كان من شأنه أن يؤمن فوز لائحة القوات والمستقبل بمقعد ثالث (السنّي الثاني أو أحد المقاعد الشيعية). هذه النسبة المتدنية شكلت نوعاً من الاعتراض على أداء تيار المستقبل في بلدة عرسال، بدليل حصول اللواء جميل السيد على 200 صوت من أصل 518 صوتاً نالتها «لائحة الأمل والوفاء» في عرسال.
المفارقة الثالثة، أثبتت بلدة القاع أنها صارت اليوم المعقل الأبرز لحزب القوات اللبنانية في البقاع الشمالي، بدليل نيل مرشح القوات أعلى نسبة تصويت فيها، يليه مرشح التيار الوطني الحر ميشال ضاهر بوصفه ابن البلدة.
المفارقة الرابعة تتمثل في نجاح القوات في التحشيد مسيحياً؛ فمن المتعارف عليه تاريخياً أن الناخبين الكاثوليك لا يشعرون بأنهم معنيون بالمرشح الماروني في هذه الدائرة، لكن بدا جلياً أن الناخب الكاثوليكي أعطى المرشح القواتي (الماروني) في هذه الانتخابات، ما يعني أن القوات نجحت في كسر أعراف انتخابية لطالما ميّزت سلوك الناخبين المسيحيين في هذه الدائرة.
المفارقة الخامسة، نيل «لائحة الأمل والوفاء» نسبة تصويت متدنية لم تتجاوز 400 صوت من مجمل أصوات ناخبي القاع (3200 ناخب)، علماً بأن البلدة كانت تعتبر تاريخياً معقلاً للقوميين.
المفارقة السادسة، عدم ملامسة الأرقام التي نالها مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي ألبير منصور التوقعات التي كانت قد وضعتها الماكينة الانتخابية لـ«لائحة الوفاء والأمل». ففي بلدته، راس بعلبك، نال نحو 500 صوت فقط في مقابل نحو 800 صوت لمرشح القوات.
يؤشر هذا التصويت المسيحي الى احتمال تحول بعلبك والهرمل الى منطقة نفوذ للقوات على المستوى المسيحي، خصوصاً أن إميل رحمة لم ينل أكثر من 190 صوتاً في دير الأحمر من أصل 3861 ناخباً، ما يعني أن رجل الاعمال طارق حبشي الذي تبنّى ترشيح رحمة لم يستطع تسويقه مقابل ترشيح ابن العائلة طوني حبشي.
وليست المفارقات على مستوى التصويت الشيعي أقل غرابة، خصوصاً حين يحل النائب غير المحازب جميل السيد في المرتبة الاولى بأكثرية 33223 صوتاً، يليه إيهاب حمادة بفارق 15000 صوت، بالإضافة الى الاصوات التي نالها النائب إبراهيم الموسوي (16842 صوتاً) بفارق 400 صوت عن نائب حركة أمل غازي زعيتر (17321).
هذه الأرقام تبين تقدم النواب الجدد (السيد وحمادة والموسوي) على النواب القدامى، بدليل احتلال رئيس اللائحة حسين الحاج حسن المركز السادس شيعياً، على الرغم من كل حملات الدعم والتسويق التي خصّته بها الماكينة الانتخابية لحزب الله، وأصوات عائلته، لينال 15662 صوتاً فقط. كما يعني أن حالة الاعتراض على الترشيحات الحزبية وجدت طريقها الى صناديق الاقتراع.
اولى المفارقات في نتائج بعلبك الهرمل هي نسبة التصويت المسيحي التي نالها مرشح القوات اللبنانية


أما بالنسبة إلى المرشحين الشيعة على اللائحة المواجهة، فقد أثبتت النتائج أن المزاج الشيعي في بعلبك الهرمل لم يتقبل بعد فكرة التصويت للائحة تضم القوات. لم يعد بمقدور يحيى شمص الحديث عن حيثية شيعية يخرق من خلالها «البلوك الشيعي»، وهو الحاصل على 6658 صوتاً مجملهم من ناخبين سنّة ومسيحيين، فيما تصويت عشيرته لصالحه لم يبلغ نسبة 50 في المئة.
أما المرشح رفعت المصري، الذي نال في الانتخابات الماضية 26 ألف صوت، فلم ينل في هذه الانتخابات سوى 504 أصوات، في الوقت الذي نال غالب ياغي 145 صوتاً وعلي صبري حمادة 780 صوتاً.
وفي ما يتعلق بلائحة التيار الوطني الحر وفايز شكر، فالحديث عنها يصبح ضرورة عندما يتعلق بـ«الخدمة المجانية» التي قدمتها لتحالف المستقبل والقوات، وتسبّبت في إبعاد 5000 صوت من درب «لائحة الأمل والوفاء»، والتي لو أضيفت إلى رصيدها لحصلت على الحاصل التاسع.
لم تتعدّ أصوات فايز شكر الذي كان يعتبر «الحاصل بمثابة تحصيل حاصل»، 1154 صوتاً، أما المرشحة عن المقعد الماروني ساندريلا مرهج، التي كانت طلبت عبر صفحتها على فايسبوك من القوى الامنية الاهتمام بتنظيم السير لمناصريها يوم إعلان النتائج، فلم تنل سوى 128 صوتاً.
ليس وضع الحزب الشيوعي أفضل، هو الذي كان يتحدث عن رصيد يلامس 4000 صوت، لم تحصل مرشحته سهام انطون منها إلا على 1150 صوتاً.
خلاصة القول إن نتائج بعلبك ـــ الهرمل أثبتت أن تيار المستقبل مأزوم في بعلبك الهرمل، وأن القوات باتت تتقدم مسيحياً، فيما الشراكة الشيعية بين أمل وحزب الله عصيّة على الاختراق.