على مسافة أسبوعين من انطلاق امتحانات الشهادة المتوسطة (البريفيه)، دُسّ على جدول أعمال الجلسة الوداعية لمجلس الوزراء، اليوم، اقتراح قانون قديم كان النائب السابق سيرج طورسركسيان والنائب نديم الجميّل قد قدماه، قبل شهرين من موعد امتحانات 2016، ويقضي بإلغاء الشهادة بحجة فساد الامتحانات. ومن باب «الصدفة» تزامن الاقتراح على جدول أعمال الجلسة إياها مع مشاريع مراسيم للترخيص لفروع للجامعات الخاصة في المناطق! توقيت الطرح ترك علامات استفهام. ثمة من خرج ليقول إنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء أدرجت على «الجدول الأخير» ملفات كانت عالقة من الجلسات السابقة، لكن هل جرى إدراج كل الملفات العالقة؟
بغض النظر عما سيكون عليه القرار اليوم، والاتجاه في الغالب هو صوب رفضه، على الأقل بإقرار وزير التربية مروان حمادة، لكن هل من «دسّ» اقتراح القانون، عن قصد أو غير قصد، أو من أوحى بدسّه، كان يدرك فعلاً البلبلة الذي سيحدثها إنتشار خبر، على هذا القدر من الحساسية، في أوساط الممتحنين وأهاليهم؟
هل أخذ هؤلاء في الاعتبار ما يمكن أن يفعله مجرد إشاعة الكلام عن الإلغاء، في هذا الوقت الحرج، بتلامذة مهجوسين بكوابيس الامتحانات ليل نهار.
في تلك اللحظة، لن تسود لغة العقل بطبيعة الحال. لن تكون هناك فرصة للقراءة المتأنية لصلاحية الفكرة وجدواها ومسوّغاتها في ضوء الواقع اللبناني الذي يقول إنّ اتخاذ مثل هذا القرار والقطع مع تجربة ماضية لا يمكن أن يكون بهذه البساطة، ويصعب أن يأتي مجتزأً ومعزولاً عن المنظومة التعليمية بكليتها، من مناهج وطرق تعليم وتقويم.
لكن وسط هذا الضجيج، لن يخطر في بال أحد أنّ الظروف الحالية غير مناسبة أصلاً للتفكير في القضية من وجهة نظر شاملة للإصلاح التعليمي، أو بالحد الأدنى لن يتذكر أحد أن الاقتراح القديم ــــ الجديد لم يحظَ يومها، ولا يزال، بموافقة أي من أطراف العملية التربوية: لا وزارة التربية ولا المركز التربوي للبحوث والإنماء ولا نقابات المعلمين في القطاعين الرسمي والخاص ولا حتى اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة. فكيف يمكن إذاً أن يبصر النور، وحتى لو حظي بتوافق سياسي؟ وهل سيجد طريقه إلى الإقرار مباشرة أم أنّه سيسلك القنوات القانونية بتحويله إلى اللجان النيابية؟ هنا يصبح إفتعال الضجة أمراً غير منطقي وغير مبرر ما دام الأمر سيكون مؤجلاً إلى السنة المقبلة بالحد الأدنى.
طرح مسألة الإلغاء عشية الاستحقاق بالذات لا ينم حتماً عن مسؤولية وطنية، فيما يحتل الملف التربوي أسفل سلم اهتمامات المسؤولين السياسيين.
وإذا كانت هذه الشهادة ـــ الوثيقة لا تزال، حتى الآن، الدليل الوحيد على أن أولادنا بعمر الـ14 أنهوا التعليم الأساسي بشهادة من سلطة موثوقة هي الدولة، وهذا مطلب وطني، فهل وراء الأكمة ما وراءها؟ إذ ثمة من يبحث عن جانب خبيث في الطرح يتعلق باستفادة مدارس خاصة تجارية وأخرى مرتبطة بامتحانات دولية مثل البكالوريا الفرنسية والدولية أو حتى شهادة IGCSE التي تم الاعتراف بها أخيراً، وهي شهادة بالانكليزية للدارسين من أعمار 14 حتى 16 عاماً، و تتميز بأنها معترف بها من كبريات الجامعات والمؤسسات حول العالم.
مجدداً، تقع الشهادة الرسمية أسيرة غياب أي رؤية لدى السلطات اللبنانية لتطوير النظام التعليمي واستمرار التخلي عن مسؤولية إصلاح المناهج وأنماط التعليم وأنظمة التقويم أو الامتحانات.