«نحنا ما معنا مصاري، منييييح». سعد الحريري في احتفالية ١٤ شباط 2018، البيال.العبارة كان صداها طريفاً على الجمهور اللبناني، والبعض استخدمها مبرراً رئيسياً لشفافية تيار المستقبل في عدم القدرة على شراء أصوات الناخبين. بعد أقل من شهرين، وقف سعد الحريري في مؤتمر سيدر ١ ليزفّ خبر الـ٩٠٠ ألف وظيفة عمل للّبنانيين. خبر تداوله الناس بطريقة أكثر طرافة، ولا سيما استهزاءً بتلك القدرات السحرية بخلق الوظائف، لرئيس حكومة «لبنان»، البلد الذي يصنف بمفهوم العلاقات الدولية بـ«الدولة الفاشلة» Failed State.
في ورقته البحثية «لبنان: السيادة المختلطة، والسياسة الخارجية الأميركية»، يوصّف نجيب حوراني، وهو أستاذ الفلسفة في جامعة ولاية ميشيغن، كيف استطاعت الأحزاب اللبنانية السيطرة على مقدرات الدولة من خلال خلق شبكة علاقات قوية ومتينة داخل بنية الدولة، تُرجمت بسيطرة الأحزاب على الوظائف في المؤسسات الحكومية، ويعطي مثالين على ذلك، حزب الكتائب خلال فترة الحرب الأهلية، وتيّار المستقبل في زمن رفيق الحريري. يشرح حوراني كيف استطاعت شبكة الحريري Hariri Network من خلال الإمبراطورية المالية «استعمار مؤسسات الدولة وخلق منظمات مالية جديدة (بنك المتوسط وأوجيه لبنان) لتسهيل التحكّم بالاقتصاد السياسي للبلد». يستخلص حوراني بأن السياسة الحريرية استطاعت الاستفادة من الأجهزة والمؤسسات الحكومية لخدمة النهج الحريري ويعطي مثالين على ذلك (مجلس الإنماء والإعمار المرتبط بمجلس الوزراء وفرع المعلومات).
في الحملة الانتخابية ونتائج الانتخابات:
من الوهم الاعتقاد أن تيار المستقبل، ستكون لديه القدرة على تنفيذ مشاريع إنمائية في بيئة ناخبيه بالمفهوم البسيط لمعنى الإنماء، والمتمحور بخلق مشاريع متوسطة أو كبيرة الحجم يكون لديها قدرة تشغيلية مستمرة وخلق فرص أعمال. البيئة الناخبة للأحزاب في لبنان هي بمعظمها من جمهور الطبقة الفقيرة، بعد أن فقدت الطبقة الوسطى أملها بالتغيير. الكذبة الكبرى التي توهمها ناخبو تيار المستقبل، هي فكرة الحصول على وظائف ليس بمقدور تيار المستقبل تأمينها لهم. الجمهور الذي ينتمي بمجمله إلى الطبقة الفقيرة خاطبه تيار المستقبل بكلمة واحدة (الخرزة الزرقا لي بتحمي لبنان) دون أن يفسر ماهية الأخطار التي تحدق بهذه الفئة.
أنا أسأل، ما الذي يحتاجه ابن قرية نائية في الضنية مثل دعبل، (ترتفع نحو ٦٠٠ متر عن سطح البحر داخل وادٍ عميق، وتبعد نحو ٧٠ كيلومتراً عن طرابلس)، أكثر من حاجته للسماح له بتشحيل أغصان السنديان لاستخراج الفحم (المعروفة بالمشحرة) دون توقيفه من قبل الأجهزة الأمنية!
ما الذي يحتاجه ابن جيرون (القرية الواقعة بعد دعبل على ارتفاع ١١٠٠ متر) غير السماح لأبنائها بإنشاء الكسّارات والمرامل لاستخراج البحص والرمال دون التنسيق مع نائب القضاء! في إحدى قرى الضنّية (بيت حاويك) مدرسة تكميلية رسمية موجودة في قبو المسجد، لم تتلقّ أي دعم من الدولة باستثناء ما قدمته لها منظمة اليونيسف لوجود تلاميذ من اللاجئين السوريين في المدرسة.
تيّار المستقبل يعلم جيداً أنه لا يستطيع تأمين (الحماية) التي يبحث عنها جمهوره. هذا الجمهور الذي صوّت بنحو ٢٠٠٠ صوت لمرشّحة مثل ديما جمالي (أستاذة القيادة في كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية وخريجة الجامعة العريقة «كينت» والمقيمة الدائمة في بيروت) وأعطى نحو عشرة آلاف صوت لمرشح مثل عثمان علم الدين في المنية و٢٤ ألفاً لمرشح مثل وليد البعريني في عكار. ديما جمالي لديها القدرة على توفير «الحماية» لشريحة الألفين ناخب، ولكن في بيروت وليس في طرابلس والشمال، على عكس ما يمكن أن يقدمه نوّاب مثل علم الدين والبعريني.
إنّ من يعتقد أن تيار المستقبل قادر على خلق فرص عمل لجمهوره واهم. حتى إن مشروع بناء جسر أو نفق أو جامعة أو مدرسة يستفيد منه وظيفياً عدد قليل جداً من أهالي المنطقة. بالدرجة الأولى، تستفيد منه الشركة المشغلة التابعة للحريري التي ينقسم طاقم موظفيها إلى ٣ أقسام:
١- إداريون ورؤساء أقسام ذوو رواتب خيالية مقيمون في بيروت، ٢- مهندسون تنفيذيون أجورهم متوسطة، وهم من مناطق مختلفة وُظِّفوا استرضاءً لفعاليات مستقبلية من عدة مناطق (قد يشغل إحداها مهندس أو رئيس عمّال واحد من المنطقة) ٣- عمّال مياومون دون أية ضمانات، وفي معظم الأحيان يكونون من العمالة الأجنبية السورية بأجور ورواتب زهيدة.
لا يملك تيار المستقبل القدرة على خلق أي وظائف منتجة بمعنى مفهوم الاقتصاد السياسي للإنتاج المستقر، وأنا هنا لا أريد أن أكون متشائماً، ولكن الإنماء يكون من خلال تفعيل أدوار البلديات القادرة وحدها على تبنّي سياسات مشجعة للاستثمار وتنفيذها، يستطيع من خلالها أبناء المناطق النائية في المنية والضنية وعكار تأسيس مشاريع ريادية لها صفة الاستمرارية. ولكن حتى في بلديات هذه المناطق تيار المستقبل كان فاشلاً في تشكيلها.
(*) أستاذ جامعي