رُبّ قائل أن «الاتحاد من أجل المتوسط»، هو أضعف من أن يستحق حبر هذه الكلمات كلها.لكن بمعزل عن بهتان صورته ووظيفته، حتى عند مؤسسيه الأصليين، يصبح السؤال كبيراً جداً: ما لم يعطه لبنان في زمن قوة الاتحاد، لماذا قرر أن يعطيه اليوم؟
إنه التطبيع بعينه، فالاتحاد هو «الفوروم» الثاني بعد الأمم المتحدة، الذي يقبل لبنان بالجلوس فيه مع إسرائيل من دون أي تماس ثنائي مباشر. في بداياته، انعقد «الاتحاد من أجل المتوسط»، على مستوى رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، قبل أن يهزل تدريجاً، خصوصاً، بعد عام 2011، تاريخ اندلاع الأزمة السورية، فيكتفي المشاركون بتمثيل لا يتعدى حدود مندوبي الدول في الاتحاد الأوروبي.
يسري ذلك على لبنان منذ سنوات.
المستجد لا بل المفاجئ لبنانياً، أن الحكومة اللبنانية، ممثلة بوزارة الخارجية، قررت، أولاً، أن تقدم مرشحاً لمنصب نائب الأمين العام (لأمور النقل والتنمية الحضارية) لاتحاد هامشي ومتآكل وضعيف، ولكنه منصب يلزم لبنان، للمرة الأولى، بالتواصل المباشر مع الوفد الإسرائيلي، وثانياً، اختارت شخصية لبنانية ملتبسة جداً، وهي ريما طربيه، التي «لمع» نجمها بعد عام 2005، فأصبحت بين ليلة وضحاها أحد أبرز «كوادر» تيار المستقبل في أوروبا، بدفع استثنائي من قائد «القوات اللبنانية» وجوني عبده وأحد منظري 14 آذار الراحل سمير فرنجية.
هنا يطرح السؤال، لماذا قرر لبنان «اقتحام» هذا المنبر، وهل هناك ما يستحق من ملفات، حتى يقدم على خطوة تقوده تلقائياً إلى التطبيع مع الإسرائيليين، ألا يمكن، لمن تبنى هذا الترشيح، أن يقتدي أقله بمسؤولي تيار المستقبل في بروكسيل وباريس ممن يرفضون «التطبيع» مع طربيه لأسباب متصلة بموقفها من قضايا تمس الصراع العربي - الإسرائيلي؟ فإذا كانت منبوذة من هؤلاء، هل يصح تعويمها لمجرد أن تنال «وظيفة»، تضع بلداً يحتفل بالأمس بالتحرير، على سكة التطبيع؟
عملياً، لم يحصل بعد التقدم بطلب الترشيح إلى الاتحاد، ويتضح لمصادر سياسية في بيروت، أن الأمر بات نقطة خلاف سياسية بين المرجعيات الكبرى في البلاد. وثمة معارضة واضحة لمبدأ الترشيح، وخصوصاً للمنصب، ويفترض أن يتولى الرئيس نبيه بري إثارة الموضوع مع المرجعيات المعنية في البلاد قريباً جداً. على أن ينتظر موقف وزير الخارجية جبران باسيل، الذي أوحى المقربون منه، أن الترشيح ليس بمبادرة منه، بل بناء لطلب وإلحاح رئيس الحكومة سعد الحريري.