لم يوفّق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ترجمة ما قاله في اللقاء الشهري الأخير مع جمعية المصارف. وقتذاك، أبلغهم أنه ينفّذ مع وزارة المال عملية استبدال سندات دين بالليرة موجودة في محفظته بسندات دين بالدولار (يوروبوندز) تصدرها الوزارة بقيمة 5.5 مليار دولار على فترات استحقاق تتراوح بين 10 سنوات و15 سنة. كذلك قال إنه سيبيع، تدريجاً، ملياري دولار على مدى 12 شهراً وأنه سيعلن تباعاً على شاشته، الكميات المعروضة لتطّلع عليها المصارف. عملياً كان يسعى إلى تسييل السندات بهدف جمع دولارات لتعزيز موجوداته بالعملات الأجنبية. المفارقة أن العملية باءت بالفشل، فهو لم يتمكن من تسييل أي سند، بل فرضت المصارف شروطها عليه واقتنصت منه، أي من المال العام، أرباحاً تتجاوز 500 مليون دولار سنوياً.يوم الاثنين الماضي، وبسرعة لافتة للانتباه، أعلن مصرف لبنان بدء عملية استبدال سندات يوروروبوندز بقيمة مليار دولار، وذلك قبل أن تنهي المالية تسجيل السندات في اللوكسمبورغ. المفاجأة كانت أمس مع إغلاق العملية وإصدار مصرف لبنان بياناً يشير فيه إلى تمكّنه من تسييل سندات يوروبوندز بقيمة 3.022 مليار دولار. فما الذي يحصل داخل جدران مصرف لبنان المغلقة؟ سؤال خلقه البيان الذي يفترض أنه «شفاف» فيما هو يثير الكثير من علامات الاستفهام.
بيان مصرف لبنان يشير إلى أنه باع من محفظته سندات يوروبوند تبلغ 3.022 مليار دولار وتُدفع بتاريخ 30 أيار 2018 على الشكل الآتي:
1,224,600,000 دولار بـ7% تستحق في 20 آذار 2028، بالقيمة الاسمية.
1,045,000,000 دولار أميركي بـ8.2% تستحق في 17 أيار 2033، بالقيمة الاسمية.
752,500,000 دولار أميركي بـ8.25% تستحق في 17 أيار 2034، بالقيمة الاسمية.
وعلى جرعات متقطّعة، قدّم البيان نتائج هذه العملية كالآتي:
بسبب الطلب المحلي القوي، زاد مصرف لبنان قيمة اليوروبوند التي ينوي بيعها من مليار دولار أميركي إلى 3,022 مليار دولار.
لا ينوي المركزي بيع المزيد من سندات اليوروبوند من محفظته خلال سنة 2018.
قامت المصارف بحسم شهادات الإيداع بالدولار بالقيمة الاسمية من محافظها وذلك لتغطية كلفة اليوروبوند المشتراة.
نتيجة لذلك، وبعد عملية المقايضة المنفذة مع وزارة المالية بقيمة 5.5 مليار دولار، خفّض المركزي مطلوباته بالدولار بـقيمة 3 مليار دولار، فيما زاد موجوداته بالدولار 2.5 مليار دولار.
أما سندات اليوروبوند المتبقية في محفظة المركزي والبالغة نحو 4.7 مليار دولار نتيجة المقايضة السابقة المنفذة في تشرين الثاني 2017 والمقايضة الحالية، فتمثّل تقريباً 8,18% من مجموع موجوداته بالدولار.
بناء لتعليمات وزارة المالية، سيسدد مصرف لبنان نقداً جميع اليوروبوند المستحقة وخدمة الدين المتصلة بها لعام 2018.

هذه الوقائع توحي بأن المصارف قامت بالعملية مجاناً. أيضاً، يتوجّه البيان إلى السوق من موقع الواثق من أن مصرف لبنان صار يحمل الكثير من الدولارات في جعبته بما يتيح له مواجهة أي طلب على الدولار. لكن مصادر مطلعة في السوق تشير إلى أن مسار العملية يؤكد العكس تماماً. فما حصل هو أن مصرف لبنان لم يقم بتسييل أي سند، بل قام بعملية استبدال بين شهادات إيداع بالدولار صادرة عنه وتحملها المصارف (دين عليه تحمله المصارف)، وبين سندات يوروبوندز يحملها في محفظته هي أصلاً دين على الدولة اللبنانية كان بالليرة لكنه تحوّل إلى الدولار نتيجة عملية استبدال سابقة بين مصرف لبنان ووزارة المال قبل أسبوعين.
المركزي ينفذ «هندسة» جديدة تمنح المصارف أرباحاً طائلة تصل إلى 17% و18% من أصل المبالغ التي توظّفها لديه


لذاً، فإن المفاخرة بتعزيز احتياطاته بالدولار ليست في محلها، فهو ليس قادراً على تسييل سندات يوروبوندز، بل أقصى ما كان باستطاعته هو أن يستبدلها. وهذا ما حصل بالضبط. فهو عندما عرض على السوق يوم الاثنين الماضي، تسييل أو استبدال مليار دولار، فوجئ بأن السوق لم يتجاوب معه نهائياً. بحسب مصادر مطلعة، فإن المصارف وافقت على أن تستبدل سندات اليوروبوندز بشهادات إيداع تحملها في محفظتها، مقابل تسعير سند اليوروبوندز بقيمة 70 دولاراً، أي أقل من قيمته وقت الإصدار بنسبة 30%. وبعد مفاوضات طويلة، اضطر مصرف لبنان إلى أن يعرض عليها هندسة جديدة مقابل موافقتها على طريقته في الاستبدال. طلب سلامة من المصارف أن تستبدل سندات اليوروبوندز بشهادات إيداع وأن يتم تسعيرهما بسعر الإصدار (100 دولار للسند الواحد) مقابل أن تحصل المصارف على قروض مدعومة من مصرف لبنان بالليرة قيمتها توازي قيمة المبالغ المستبدلة وفائدتها تبلغ 2%، ووافق معها أن توّظف لديه 125% من المبالغ التي أقرضها إياها شرط أن تجمّدها بفائدة 10.5% وتستحق بعد 10 سنوات.
هذه العملية تعني أن المصارف ستحقق من هذه العمليات ما بين 7% و8.25% من سندات اليوروبوندز، مضافاً إليها فوائد بنسبة 10.25% من الأموال التي جمدّتها لدى مصرف لبنان، ما يعني أن معدل الفوائد الإجمالية يتراوح بين 17% و18.25%. الـ17% تحقق للمصارف أكثر من 500 مليون دولار سنوياً.