ماذا يفعل سيزار أبي خليل؟ لديه مؤتمر صحافي مهم، على ما تردد. مهم لدرجة أن فوجئ أعضاء هيئة البترول بدعوتهم إليه. وبالفعل، توسط وزير الطاقة تلك الطاولة وإلى جانبه رئيس هيئة إدارة البترول وأعضاؤها والمدير العام لشركة «توتال» في لبنان فيليب آمبلاروما، وكشف أنه «وافقت أمس (الاثنين) على خطتَي الاستكشاف في البلوكين رقم 4 ورقم 9، واليوم (أمس) تبدأ المرحلة الأولى من الاستكشاف التي ستمتد على فترة 3 سنوات». ما أهمية هذا الإعلان؟ وهل هو حقاً حدث يستدعي مؤتمراً صحافياً؟ الوزير أبي خليل يقول إنه كان أمام تكتل الشركات مهلة 60 يوماً للتقدم بهذه الخطة و60 يوماً أخرى لهيئة قطاع إدارة البترول ولوزير الطاقة والمياه لدراسة الخطة والموافقة عليها». هذا صحيح. لكن المادة السابعة من اتفاقية الاستكشاف التي وقّعها لبنان مع ائتلاف شركات توتال وايني ونوفاتيك تشير أيضاً إلى أنه في حال انقضاء مهلة الـ60 يوماً المخصصة للهيئة وللوزير من دون الموافقة على الخطة أو رفضها، «تُعَدّ موافقاً عليها». هذا يعني أن موافقة الوزير ليست سوى إدارية، خاصة أن النقاشات التقنية بشأن الخطة كانت تجري بين الهيئة والشركات فقط. في 27 آذار الماضي، أي بعد ستين يوماً تماماً، تقدم الائتلاف بالخطة، وكان يفترض للموافقة اللبنانية أن تأتي في مهلة أقصاها 27 أيار، الذي صادف يوم أحد. هذا يعني تلقائياً أن المهلة صارت تنتهي في 28 أيار، أي أول من أمس. ظلت الهيئة تتواصل مع الشركات حتى اللحظة الأخيرة في سعي لتوضيح أو تعديل بعض البنود. تأخرت كثيراً، وبعد ذلك رفعت الخطة إلى الوزير ووافق عليها سريعاً. هذا أمر تلقائي يأتي في سياق تنفيذ العقد، وليس إنجازاً لأحد. فلماذا أراد الوزير سيزار أبي خليل تظهير الأمر على أنه «إنجاز تاريخي»؟ ولماذا أرفق مسألة التحضير لإطلاق دورة التراخيص الثانية بالمؤتمر، بالرغم من أن التحضيرات لإطلاق الدورة الثانية، بدأت فعلاً، وسبق للوزير أن تطرق لها في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء.
كل من حضر المؤتمر يدرك أنه يهدف إلى غير ما أُعلن. المعركة معركة تثبيت وزارة الطاقة في أيدي العونيين، والقول إنهم الوحيدون القادرون على الإنجاز فيها. يأتي ذلك وسط منافسة القوات والمردة وآخرين على تلك الحقيبة. تصرفات الوزير توحي أن التكتل «القوي» الذي صار ينتمي إليه، لا يضمن بقاءها معه. سُمع الرجل يقول إنه إذا لم يعد إلى الوزارة فإنه يريد ترؤس لجنة الأشغال (والطاقة) النيابية. رئيس اللجنة لا يمكن أن ينتمي إلى الكتلة التي ينتمي إليها وزير الطاقة. هذا يعني أن العونيين يتوقعون الخروج منها أو على الأقل يضعون الاحتمال في البال. مع ذلك لم ييأسوا. الحرب على القوات اللبنانية ضارية. لم يعقد أبي خليل أخيراً أي اجتماع إلا كانت القوات حاضرةً. يردد أنهم يريدون تعطيل ملف النفط كما عطلوا ملف الكهرباء. يقول إن أعمالاً كهذه تخدم إسرائيل. ويضيف: معروف تاريخهم. ما يقوله أبي خليل ليس جديداً. سبق أن قال إنّ «من المستحيلات أن تُناط وزارة الطاقة بالقوات اللبنانية في أي وقت»، مشيراً إلى أنّ «الأداء الوزاري للقوات عموماً، وأداءها التعطيلي والتدميري في قطاع الكهرباء خصوصاً، لا يؤهلها لتولّي هذه الحقيبة». المعركة ليست مع القوات فقط. في الوزارة لا حديث إلا عن الصراع المحتدم بين المستشارين الطامحين إلى التوزير، ولا سيما غسان خوري وندى بستاني. عضو هيئة البترول وسام شباط على الخط أيضاً.
وزير الطاقة يحتفل بموافقة إدارية على خطة الاستكشاف


ليست وظيفة المؤتمر الصحافي سياسية فحسب. إصرار الوزير على حضور ممثل توتال، ليس سوى الرد غير المباشر على ما نقل عن تسريبات الشركة التي اعتبرت أن الوزير «لا يعرف شيئاً بالملف».
سئل ممثل توتال عن الأمر، فقال إن الشركة «لا تعلق على مقالات صحافية، وإن أي ممثل عن توتال لم يتدخل في أي مقال، وهذه سياستنا في العالم». لكنه صحح للوزير بأن الاستكشاف يبدأ في نهاية عام 2019 تحديداً لا في أوله ولا في وسطه. هذا يعني أن الاستكشاف في البلوك 9 لن يبدأ قبل عام 2020.
للمناسبة، مسألة المهل بدأت تفرض نفسها. ثمة من يجزم بأن في الاتفاقية نقاط ضعف تعطي الأفضلية للشركات. أول الغيث تأخير الهيئة بالموافقة على الخطة، إذ قد يكون مفهوماً أن تحتاج الشركات لشهرين لإعدادها، لكنه ليس مفهوماً أن تحتاج الهيئة إلى شهرين لمناقشتها وطلب بعض التعديلات عليها. أي تأخير من لبنان تكون نتيجته مضاعفة عند الشركات. أول الغيث الحديث عن صعوبة إجراء مناقصات للدراسات نظراً لضيق الوقت. الرخص هي المعضلة الكبرى، وهي التي يمكن أن تُسهم في تأخير بدء العمل أكثر وأكثر. وكما قال أبي خليل في مؤتمره، فإن الجدول الزمني الذي يفضي إلى حفر أولى الآبار خلال عام 2019، يتطلب إنجاز كل الخطوات في الوقت المحدد دون أي تأخير، لأن الموضوع يتعلق أيضاً بوزارات وإدارات أخرى مناط بها منح بعض التراخيص والموافقات، لذلك نشدد على عدم التأخير في منح الموافقات والتراخيص المطلوبة، حتى لا نسجل أي تأخير على أنفسنا وتحمّل مسؤولية ذلك.