بعد يومين، ينهي الإضراب المفتوح لموظّفي المُستشفيات الحكومية في لبنان شهره الأول. مُنذ ثمانية وعشرين يوماً، أقفلت المُستشفيات البالغ عددها 31 أبوابها أمام المرضى الذين ينتمون بغالبيتهم الى الشرائح الاجتماعية الفقيرة ممن لا يملكون ملاذاً غير الطبابة «الحكومية». هؤلاء الذين لا يجرؤون على اللوذ بالمُستشفيات الخاصّة التي تتجه حالياً إلى تكبيد مرضاها فاتورة الكهرباء الخاصة بها، باتوا اليوم مُهدّدين بالموت على أبواب المُستشفيات الحكومية. ولا تلوح في الأفق، حتى الآن، بوادر توحي بفك الإضراب قريباً، مع إصرار المُوظّفين على الاستمرار فيه حتى نيلهم حقّهم في سلسلة الرتب والرواتب، أسوة ببقية موظفي المؤسسات العامّة، فيما يستمر تجاهل الجهات الرسمية لمطالبهم.
وبعيداً من أحقّية مطالب المُوظّفين، ثمّة وجع يفتك بشريحة كبيرة من الناس بمن فيهم الموظفون أنفسهم. مصادر إدارية في مُستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي مثلاً، قدّرت قيمة الخسائر الناجمة عن إقفال المُستشفى بنحو ثلاثة مليارات ليرة. وأوضحت أنّ العجز الشهري في المُستشفى، قبل اقفال أبوابه، يراوح بين 800 مليون ليرة ومليار ليرة، «ومع التسكير وإقفال أبواب الخدمات الخارجية التي تُشكّل باباً رئيساً للإيرادات، قارب العجز الشهري الثلاثة مليارات ليرة». فيما لم يتقاضَ موظفو المُستشفى رواتبهم كاملة الشهر الماضي، وحُوّل إليهم ــــ كما في كلّ أزمة ــــ مبلغ «مقطوع» قدره مليون ليرة لـ«تسيير» أمورهم إلى حين تحصيل الفواتير المُستحقّة من وزارة الصحّة.
في هذا الوقت، تُعيد بعض الجهات المتعاقدة مع المُستشفى «حساباتها» في ما إذا كانت تريد تجديد العقود، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي التي بدأت تبحث في خيار بديل بعد دخول إضراب المُستشفى الأسبوع الخامس. ويأتي ذلك في ظل فراغ إداري مع إعلان رئيس مجلس إدارة المُستشفى فراس الأبيض استقالته منذ أيام، علماً بأن ولايته انتهت الشهر الماضي، ولم يُعيّن خلَف له.
ثلاثة مليارات ليرة خسائر إقفال مُستشفى الحريري في بيروت


التركيز على مُستشفى رفيق الحريري يأتي هنا في سياق اعتباره الصرح الاستشفائي الأكبر التابع لوزارة الصحّة، إذ يضمّ نحو 400 سرير (يُشغَّل بين 170 الى 200 سرير فقط منها). فضلاً عن كونه المركز المعتمد من الوزارة في حالات الأزمات والمُجهّز بوحدات عزل واستقبال الحالات الوبائية الخطرة.
والأمر نفسه ينطبق على المُستشفيات الحكومية في المناطق التي لا يقلّ وضعها سوءاً لناحية الخسائر المادية نتيجة الإقفال، فضلاً عن معاناة المرضى في مناطقهم الذين لا يملكون بدائل عنها. وتفيد المعطيات بأن هناك توجّهاً لدى موظفي مستشفيات المناطق لفكّ الإضراب نتيجة الضغط الذي تمارسه مجالس إداراتها.
وقبل مطلب سلسلة الرتب والرواتب، كان موظفو المُستشفيات الحكومية يعانون من تأخير في الحصول على رواتبهم (لم يقبض موظفو مُستشفى حاصبيا الحكومي رواتبهم منذ نحو ثلاثة أشهر) نتيجة إهمال الدولة الممنهج لها وغياب الرقابة على آلية إدارتها. وعندما انتفض الموظفون للمطالبة بحقّهم حالياً في السلسلة، متّخذين من المرضى الفقراء وسيلة ضغط، لم يلقوا إلّا الإهمال المعهود.