كان يمكن أن يبقى يوم النبيذ اللبناني في سويسرا في إطاره الاقتصادي الفولكلوري لولا مشاركة رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية والمفتش العام الصحي الاجتماعي نضال الراعي. وجودهما في هذه المناسبة يفتح الباب أمام مساءلة بسيطة: على حساب من لبيا الدعوة للمشاركة؟ ما الهدف من مشاركتهما؟ وهل يملكان قيمة مضافة يمكن أن تجعلهما يسهمان في تسويق النبيذ اللبناني؟الفساد هو مفتاح الإجابات كلّها. فقد تبيّن أن مشاركة عطيّة والراعي جاءت على حساب المال العام. خمسة أيام في ربوع سويسرا مع تذكرتي سفر وإقامة فندقية مغطاة كلها من اعتمادات وزارة الخارجية والمغتربين (لاحقاً الانتشار). يضاف إليها تعويضات سفر يحصل عليها عادة موظفو الفئة الأولى. الكلفة قد تكون أكبر إذا احتسبت فترة التعطيل ضمن مهمة رسمية سمحت بها رئاسة الحكومة بصفتها الجهة الوصيّة على التفتيش المركزي. هي فضيحة فقط. عناصرها لا تتعلق فقط بالكلفة التي دفعت من أموال دافعي الضرائب، بل تشمل أيضاً دور التفتيش المركزي وصورته وهيبته.
هناك فرق كبير بين دور التفتيش المركزي المنصوص عنه قانوناً وبين الدور الذي أكسبه إياه عطيّة في تصريحاته من سويسرا. بحسب الوكالة الوطنية (الرسمية) للإعلام، قال عطيّة إن «الدور الأساسي للتفتيش المركزي أكثر منه الملاحقة للمحاسبة، هو المراقبة والإرشاد لتحفيز المبادرات الفردية الخلاقة للإنجازات لدى مسؤولي الإدارة، إذ إن توجيه ودعم الإنماء للتطوير في الأداء الإداري أفضل وسيلة فعالة في مكافحة الفساد على الإطلاق». ونوّه «بالإنجاز الذي قام به المدير العام للزراعة على صعيد مبادرته في فتح أسواق عالمية جديدة لتسويق النبيذ وغيره من المنتجات الزراعية اللبنانية». هذا هو «النموذج» اللبناني. مناسبة اقتصادية دولية يشارك فيها رئيس التفتيش المركزي تحت عنوان تحفيز المبادرات والمراقبة والإرشاد والتوجيه والتطوير و«مكافحة الفساد». كلامه لا يراعي الحد الأدنى من الأصول والقوانين والتشريعات والنصوص النظامية التي تجعل من التفتيش المركزي أهمّ جهاز رقابي لمحاسبة الفاسدين والمقصّرين. هو، المعني بتطبيق النصوص، ينقلب على ما يطاوله منها. فالمادة 2 من المرسوم الاشتراعي 115/59 تحدّد المهام الأساسية للتفتيش المركزي على النحو الآتي:
مراقبة الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات بواسطة التفتيش على اختلاف أنواعه.
السعي إلى تحسين أساليب العمل الإداري.
إبداء المشورة للسلطات الإدارية عفواً أو بناء لطلبها.
تنسيـق الأعمال المشتركة بين عـدة إدارات عامة.
القيام بالدراسات والتحقيقات والأعمال التي تكلفه بها السلطات.
ضمن هذه المهام، يمكن تأويل وتوسيع مهمة التفتيش نحو التوجيه أو الإرشاد أو التحفيز، لكن كيف يتم ذلك؟
الإجابة لا تكمن أبداً في استغلال المال العام والسفر على حساب الخزينة وإطلاق التصريحات من سويسرا عن «إنجازات» المدير العام لوزارة الزراعة لويس لحود في تسويق النبيذ اللبناني خارجاً. فالتوجيه والإرشاد والتحفيز له أصول محدّدة. قبل إطلاق التصريحات يجب على رئيس التفتيش أن يطرح على هيئة التفتيش هذا الموضوع بالاستناد إلى تقرير أو دراسة صادرة عن مفتش مختص. بعدها تأخذ هيئة التفتيش المبادرة ثم تصدر توصيات بالتوجيه أو الإرشاد والتحفيز. يمكنها أن تقترح إعادة تنظيم الإدارات العامة وتحسين أساليب العمل فيها. التوجيه هناك يهدف إلى التطوير وتحسين الأداء. يمكنها أن تقترح أيضاً التنويه بعمل موظف ما سواء عبر مكافأة مالية أو أي ترقية أو غيرها. وفي ما يخصّ المديرين العامين، يجب أن يكون هناك تقييم يراعي الأصول النظامية. هذا المسار هو مسار نظامي نصّت عليه القوانين. لا يمكن لرئيس التفتيش أن يوزّع التنويهات كما يحلو له.
واللافت في هذا المجال أن كل الحديث اليوم يدور عن مكافحة الفساد. ألا يحتاج هذا الفعل المغطّى سياسياً إلى مكافحة؟ أكثر من ذلك، فإن مشاركة المفتش العام الصحي الاجتماعي تشكّل هي الأخرى فضيحة من الوزن نفسه. المرسوم 2460 تاريخ 9/11/1959 يحدّد صلاحيات التفتيش الصحي الاجتماعي. المادة 16 من المرسوم تشير إلى أن فرع الزراعة في المفتشية العامة الصحية والاجتماعية والزراعية يؤدي مهمته في شؤون الهندسة الزراعية والمدارس الزراعية وسائر المؤسسات الزراعية، وتراقب هذه المفتشية العامة بوجه خاص سير العمل وكفاءة الموظفين وكيفية قيامهم بواجباتهم ومسؤولياتهم ومدى تطبيق القوانين والأنظمة. فهل كان التفتيش الصحي الاجتماعي يراقب عمل المهندسين الزراعيين في سويسرا؟


التضييق على إدارة المناقصات مستمرّ
يستمرّ رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطيّة بالتضييق على إدارة المناقصات، إذ تبيّن أنه طلب من القوى الأمنية المولجة حراسة مدخل مقر التفتيش في فردان التدقيق في كل الأسماء التي تحاول الدخول إلى إدارة المناقصات، ومنع دخول أي صحافي ولو في زيارة خاصة إلى مدير المناقصات جان العليّة أو أي من العاملين هناك.