لم تجد وزارة الخارجية أنّه لزامٌ عليها الالتزام بالحلّ الذي شاركت في صوغه، لأزمة المراسيم الـ32 لتعيين قناصل فخريين. حتى أمس، لم تُرسل هذه المراسيم إلى وزارة المال، لتقترن بتوقيع وزير المال علي حسن خليل عليها. في الوقت نفسه، بعثت مراسيم الدفعة الثالثة من القناصل الفخريين. الخطوة بحدّ ذاتها تعيد تثبيت توقيع وزارة المال، لكن ثمة تدقيق في الأسماء وانتظار للمرسوم الذي تمّ «تهريبه».قضية المراسيم (على أنواعها) بين وزارتَي الخارجية والماليّة باتت شبيهة بقصّة إبريق الزيت. «حربٌ» لا تجد حلّاً نهائياً لها بين الطرفين، على الرغم من أنّها في كلّ مرة تتسبّب في تهديد مسار العلاقة السياسية بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، و«تُرهق» حزب الله في محاولاته إعادة إنتاج صيغة توافقية بين الحليفين.
في كلّ مرّة، تتسلح وزارة الخارجية بذريعة عرقلة وزارة المال (عدم توقيع المراسيم) لأسباب سياسية، وأنّه إن كان المرسوم لا يُرتّب أعباءً مالية على الدولة، فلا داعي لمهره بتوقيع «المالية». هذا بالضبط ما أراد وزير الخارجية «إفهامه» لوزير المال في معرض الدفاع عن مطالعة هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل. هذا هو الجوهر الذي «تتخوّف» منه عين التينة دائماً: تثبيت «عُرف» أنّه يُمكن إصدار مراسيم مُعينة من دون أن تحمل توقيع وزير المال. «التوقيع الثالث»، يضعه بري في مرتبة «قُدس الأقداس»!
بعد قرابة أسبوع على إنتاج حلّ لأزمة الـ32 مرسوماً لتعيين قناصل فخريين، بين «الخارجية» و«الماليّة»، برعاية حزب الله، تجدّدت أمس «المناوشات» بين الفريقين. وفي وقت كانت فيه «المالية» تنتظر أن تصلها مراسيم الـ32 قنصلاً فخرياً ليُوقّع عليها وزير المال، وصلتها، ظهر أمس، مراسيم 27 قنصلاً فخرياً يُشكّلون الدفعة الثالثة من تعيينات «الفخريين»، مع تجاهل تامّ من قبل «الخارجية» للمراسيم الـ32 السابقة والتي تسبّبت في الإشكال في 8 حزيران. يومها، تبدّت ثلاث ملاحظات: صدور المراسيم خلال فترة تصريف الأعمال (29 أيار)؛ تخطّي توقيع وزير المال؛ تجاوز لائحة الأسماء التي زكّاها حزب الله وحركة أمل معاً.
بعد أن «بجّ» الخلاف في 8 حزيران، وأصرّت عين التينة على عدم تكريس سابقة إصدار مراسيم من دون توقيع وزير المال، تدخّل حزب الله، ممثلاً بكل من المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، وتقرّر أن يكون الحلّ بإعادة المراسيم الـ32 ليُوقّع عليها علي حسن خليل، وإرسال «الثنائي» لائحة بأسماء قناصل يُزكّون تعيينهم، وتعهّد باسيل بأن لا يُصدر مُستقبلاً أيّ مراسيم «تستغيب» وزير المال. توفيت والدة علي حسن خليل، ثم دخلت البلاد في عطلة عيد الفطر، وسافر رئيس الحكومة إلى الخارج، وتوجّه وزير الخارجية إلى سويسرا، على اعتبار أنّ القضية حُلّت والأمور ستنتظم مجدداً. ولكن يبدو أنّ المعنيين في قصر بسترس في الأشرفية قرّروا «التحايل» على قاعدة «عفا الله عما مضى» من مراسيم.
«الخارجية»: المراسيم الـ32 دخلت حيّز التنفيذ، ولا داعي لإرسالها إلى «المالية»


المفاجأة في وزارة المال أمس كانت في تلقّي 27 مرسوماً من الدفعة الثالثة من تعيينات القناصل الفخريين، مُرسلين من «الخارجية». ما لم يظهرّه الوزير خليل هو أن هذه اللائحة الجديدة تجاهلت ما لا يقل عن ثلاثة أسماء من تلك التي زكّاها «الثنائي». رفض وزير المال التوقيع. تمسَك بالاتفاق لكن معدلاً: تُرسل المراسيم الـ59 دُفعةً واحدة إلى «المالية»، بعد أن تكون قد أُدخلت التعديلات على المراسيم الـ32 وأيضاً الـ27. وفيما اعتبرت مصادر وزارة الخارجية أنّ «المراسيم التي وُقّعت (الـ32) دخلت حيّز التنفيذ، ولا داعي لإرسالها مجدداً إلى وزارة المال»، ردّت مصادر الأخيرة بأن الاتفاق يقضي بردّها بعد عودة رئيس الحكومة من الخارج ولا تساهل في هذه النقطة.
أما المراسيم الـ27 الجديدة، فهي حسب مصادر «الخارجية» منجزة «وقمنا بإرسالها أمس إلى وزارة المال». لكن، كيف تمّ ذلك بوجود باسيل خارج البلاد؟ «بوجود التكنولوجيا، كلّ التفاصيل تُحلّ»، تجيب المصادر نفسها.
وبالنسبة إلى الشرط الذي أنتجه اتفاق 10 حزيران (إرسال الحزب والحركة للأسماء التي تنتمي إلى الطائفة الشيعية)، تردّ مصادر «الخارجية» بأنّه «ولا مرّة كان هناك خلاف حول الأسماء الشيعية، الذين أصلاً كان حزب الله وحركة أمل قد سلّموا لائحة بها قبل حصول الإشكال». توافق مصادر عين التينة على أنّ اللائحة موجودة منذ فترة في عهدة الخارجية، «ولكن، باسيل لا يختار منها سوى ما يراه مُناسباً، ولا يُريد أن يأخذ برأي حزب الله وحركة أمل حول التعيينات التي يُطالبان بها. حتى إنّ باسيل لم يُدخل أي تعديلات طالب بها الثنائي، على المراسيم الـ32». ما تتخوّف منه المصادر هو «استغلال الخارجية عامل الوقت، حتى تُبلّغ وزارات الخارجية في الدول المعنية بتعيين القناصل الفخريين لديها، من دون توقيع وزير المال». إلا أنّ هذا الأمر «لن يمرّ في عين التينة»، فالقصة لدى الرئاسة الثانية لها أبعادٌ ميثاقية لن تقبل بتخطّيها. لذلك، غادر أمس خليل وزارته من دون التوقيع على مراسيم القناصل الجُدد (27 اسماً).
في هذا الوقت، دخل حزب الله مجدداً على الخط. جرى التواصل أكثر من مرة بين علي حسن خليل ووفيق صفا وبين الأخير وجبران باسيل، ومن المقرر أن يبادر وزير الخارجية إلى تثبيت توقيع وزير المال على مراسيم الـ32 قنصلاً، ومن ثم الأخذ بملاحظات حزب الله وحركة أمل على المراسيم الجديدة (الـ27 اسماً).

ماذا إذا تعثّر الحلّ؟
يقول علي حسن خليل إنه جدّي هذه المرّة في إرسال الرسالة التحذيرية، التي كان قد أعدّها سابقاً، إلى سفارات الدول حيث جرى إنشاء قناصل فخريين بأن لا يتم قبول التعيين لوجود تجاوزات عدّة، علماً بأنّ التواصل مع السفارات ليس من صلاحيات وزارة المال، بل حقّ لوزارة الخارجية. بالنسبة إلى حزب الله، لن يحتاج الأمر إلى رسالة، فالمسألة قيد المعالجة و«الحل بات بمتناول الحليفين».