أيام قليلة، ويغادر السفير الإيراني محمد فتحعلي، بيروت، عائداً إلى وزارة خارجية بلاده في طهران، بعد مهمةٍ من أربع سنوات مليئة بالأحداث أمضاها في لبنان، «البلد الذي لا مثيل له في العالم»، كما يصفه الدبلوماسي المحنّك.أمضى فتحعلي أكثر من عشرين عاماً في خدمة بلاده، أكثرها قرباً إلى قلبه تلك التي أمضاها في لبنان، كما يقول لـ«الأخبار»، واعداً بالاستمرار في متابعة ملفّات المنطقة والشرق الأوسط في مكان عمله الجديد في الخارجية الإيرانية.
أما بديله في بيروت، فهو الدبلوماسي الإيراني جلال فيروزنيا، الذي سيصل قريباً إلى لبنان بعد «توليه مهمات في ملفّات الخليج الفارسي واليمن ومالیزیا».
بالنسبة إلى فتحعلي الذی بمتابعته أدقّ التفاصيل في الداخل اللبناني، استطاع نسج شبكة واسعة من الصداقات والعلاقات مع اللبنانيين، حتى أولئك الذي يدورون في أفلاكٍ بعيدةٍ عن سياسة إيران، «لبنان المميّز والفريد»، ليس فقط بلد المقاومة التي هزمت إسرائيل، هو «مكان مميّز لأن اللبنانيين تعلّموا كيف يتخطّون الأزمات على الرغم من الظروف الصعبة المحيطة».
أمّا عن تجربته مع السياسيين في لبنان، فيقول إن بعضهم «يستطيع أن يدبّر أي شيء وينتقلوا من محور إلى محور». ماذا تقصدون؟ يبتسم فتحعلي، ولا يجيب.
ما رأيكم بنتيجة الانتخابات النيابية اللبنانية؟ برأي السفير فتحعلي، إن «اللبنانيين عبّروا عن آرائهم بحريّة، ونحن مع صناديق الاقتراع في أي مكان ومهما كانت نتيجتها».
بالحديث عن سوريا، ما تقييكم للوضع الحالي؟ وكيف تردّون على من يراهن على خلافات روسية ـ إيرانية في سوريا؟ يردّ السفير: بالنسبة إلى الميدان، الآن بفضل قوة الجيش السوري وحلفائه ووعي الأهالي في الجنوب السوري العملية تسير بنحو ممتاز، وبإذن الله قريباً تنتهي الجماعات الإرهابية في الجنوب. لكن يبقى الملفّ السياسي، الأميركيون يتحكّمون بالأمم المتحدة والمسارات السياسية، والرئيس بشار الأسد وحلفاؤه في إيران وروسيا يواجهون هذا الأمر بكلّ قوّة».
يضيف السفير فتحعلي: «لا بدّ من الإشارة هنا، إلى أن الأسد نموذج فريد من نوعه، هو القائد الذي لا يتخلّى عن شعبه، ولا يخاف من التهديدات، والذي صمد بوجه كلّ الضغوط طوال السنوات الماضية. هو رجل شجاع جدّاً، والجيش السوري أثبت أنه جيش قوي العقيدة، والشعب السوري شعب مضحٍّ وصابر وصامد». أمّا الحديث عن روسيا وإيران، فـ«أنتم تعرفون، نحن في سوريا متفّقون ونقاتل معاً لمساعدة سوريا على التخلّص من الإرهاب، ونحن نتفق مع الروس على ضرب الجماعات الإرهابية في كلّ المنطقة».
ويضيف فتحعلي: «العلاقات مع روسيا عمرها مئات السنين، وجذورها ضاربة في التاريخ، نحن وهم نتعرض للضغوط والعقوبات من الأميركيين وحلفائهم، وروسيا قامت بدور حاسم في الحرب ضدّ الإرهاب».
يرى السّفير الإيراني أن المنطقة الآن تتنازعها أربعة خطابات: «الخطاب الأميركي الذي يدّعي الليبرالية والديموقراطية، الخطاب السعودي الذي يسوّق للوهابيّة، الخطاب الذي يسوّق للإخوان المسلمين، وأخيراً، الخطاب الإيراني المبنيّ على المبادئ منذ ثورة الإمام الخميني، الذي ينطلق من مواجهة الاستكبار ومواجهة الكيان الصهيوني ودعم الشعوب لتحقيق الحريّة».
خطاب إيران الذي حدّدنا مفاهيمه ـــــ يتابع فتحعلي ــــ «لا تميّز بين سنّي أو شيعي أو مسيحي في دعمها للذين يواجهون الكيان الصهيوني، نحن ندعم حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، بمعزل عن المذهب، نتفق على مواجهة مقاومة الكيان الصهيوني».
ما المخاطر التي تواجه المنطقة ولبنان اليوم؟ يردّ السفير الإيراني بأنه في المرحلة الماضية كانت هناك ثلاثة أمور يعمل عليها المحور المعادي، بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية: الأوّل، إعلان انفصال إقليم كردستان، «وهذا خطر تاريخي على كلّ المنطقة، وأول من رحّب بهذا الإعلان كانت إسرائيل»، الثاني، فرض الحرب علی الشعب الیمنی المظلوم، والثالث «محاولة إحداث فتنة في لبنان». بالنسبة إلى فتحعلي، هدف هذه المشاریع شيء واحد، «فرض صفقة القرن على الفلسطينيين».
لبنان مميّز لأن اللبنانيين تعلّموا كيف يتخطّون الأزمات برغم الظروف الصعبة المحيطة


برأيكم، هل سيعاد العمل على ملفّ إقليم كردستان؟ وماذا عن محاولات السيطرة على الحدود السورية ـ العراقية؟ يجيب السفير الإيراني بأن «إسرائيل دائماً تحاول تحريك ملفّ كردستان، وهم لن يستطيعوا السيطرة مجدداً على الحدود السورية ـ العراقية هذه معركة ليست سهلة، والجماعات الإرهابية شارفت على النهاية، وهذه ضربة لإسرائيل أيضاً، لأن هذه الجماعات هي امتداد للفكر الصهيوني».
وحول الانسحاب الأميركي من سوريا، يعتقد فتحعلي أن «الأميركيين لا يريدون أن يدفعوا مزيداً من المال، ومن الممكن أن ينسحبوا. نعم، ولكن يريدون من دول الخليج الفارسي أن تدفع».
ماذا عمّا يحدث في داخل إيران؟ ما حجم التحرّكات الشعبية؟ بكثير من الطمأنينة، يتحدّث السفير الإيراني عن أن «التحركات الشعبية سببها الأزمة المالية، ولكن هناك سعي أميركي لاستغلال الأحداث وإحداث فوضى في داخل إيران، ولكن هذا لن يحدث بفضل وعي الشعب الإيراني».
ما أسعد الأحداث التي شاهدتها في لبنان؟ وما أكثرها حزناً بالنسبة إليك؟ يجيب فتحعلي بالقول إن «أكثر ما أثار السعادة في قلبي هو انتصار لبنان ببركة المجاهدين على الکیان الصهیوني والعصابات التكفيرية علی أساس المعادلة الذهبیة في هذا البلد: الجیش، والشعب والمقاومة. وفي الوقت نفسه، أكثر ما أحزنني رؤية هؤلاء الشباب شهداء المقاومة والجیش الأبطال الذين بذلوا دماءهم لتحرير أراضی لبنان من احتلال الکیان الصهیوني ومواجهه الإرهاب التکفیري».