تعثر ملف النفايات المنزلية الصلبة وتفجّره، في بيروت والمناطق، ليس مفاجئاً. كان متوقعا تعثر خطة الطوارئ في بيروت وجبل لبنان لمجرد أن من استلم تنفيذها، بعد أزمة عام 2015، متعهّدون عاديون؛ ولكونها «مؤقتة»؛ ولكون المولجين إدارتها هم أنفسهم من تسببوا، بسوء التخطيط، في هدر المال العام وفي قتل البيئة طوال الفترة الماضية. الأمر نفسه ينطبق على المدن والمناطق الاخرى. في صيدا، تم التغاضي طويلا عن الملاحظات التي طالت معمل المعالجة فيها، لا سيما الملاحظة الأهمّ، وهي أن المعمل ليس جزءاً من خطة متكاملة لادارة ملف النفايات. وهذا ما تبينت صحته بعدما تراكمت المتبقيات بالقرب منه، لتشكّل جبلاً جديداً على أنقاض جبل النفايات الشهير! الامر نفسه ينطبق على طرابلس حيث لا تخفى على أحد الازمة ــــ الجبل وتعثر انشاء المعامل والمطامر. والحال نفسها في صور مع تعثر انشاء المعامل وبرامج الادارة المتكاملة… ناهيك عن مكبات المناطق العشوائية التي يتجاوز عددها الـ 941 بحسب آخر مسح لوزارة البيئة. كما لا حاجة الى تكرار الملاحظات حول سوء ادارة وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال طارق الخطيب لهذا الملف، واضاعته الوقت والفرص وعدم إنجاز الاستراتيجية الموعودة… في تكرار لمشهد مأساوي قديم، بات مملا بقدر ما هو مؤلم.
جديد هذا الملف ما هو منتظر قريباً من بلدية بيروت مع الاستعدادات المتسارعة لإطلاق مناقصة محرقة النفايات بعد اسابيع! وقد بات معلوما أن تأخير المناقصة الى ما بعد الانتخابات النيابية، كان لضمان عدم خسارة اصوات اهالي المناطق الذين ستقع عليهم المصيبة لدى إعلان مكان اختيار موقع المحرقة، وكون إعلان المناقصات، ما كان يمكن أن يحصل، وكذلك «دراسة الأثر البيئي» المزعومة… من دون تحديد الموقع! رغم ذلك، لم تكن بلدية بيروت تضيّع الوقت. إذ كانت تعدّ الحجج اللازمة لاقناع الناس بهذا الخيار، الجديد نسبيا، تحت شعار «شعبوي» هو التعهد «الحازم والجازم» بعدم عودة النفايات الى شوارع العاصمة مجددا.
والى هذا التعهد «الشعبوي»، تتذرّع بلدية بيروت بثلاث فرضيات ــــ حجج اساسية: الأولى تقول إن لا اماكن لمطامر كبيرة في العاصمة وضواحيها وإن المحرقة ستساعد على التخلص من أكثر من ثلثي حجم النفايات وعندها يمكن معالجة رمادها فقط؛ الثانية أن هذا الخيار مبني على تجارب الدول الغربية وتقنياتها المتقدمة، وان الرقيب عليها وعلى عملها أجنبي، وأن العمل سيكون ضمن المواصفات الاوروبية؛ والثالثة تتعلق باختيار الموقع بحجة أنه منطقة «منكوبة» اصلاً.
ويبدو أن من أعدّ هذه الحجج فاته أن الاستعانة بالخبرات الاجنبية باتت حجة ممجوجة ومجرّبة… وقد أثبتت فشلها. فهل يعرف أصحاب هذه الحجج حجم المشاريع التي مولها الاتحاد الأوروبي في لبنان أو أشرف عليها بنفسه منذ عام 2004 مع وزارة التنمية الادارية؟ وهل يعرفون أنها كلها تصنّف في خانة «الفاشلة» او «المتعثرة»؟ فمن فشل في ادارة معامل النفايات الصلبة والمحطات الصغيرة لمعالجة النفايات السائلة المبتذلة، كيف سينجح في ادارة محارق كبيرة أكثر كلفة وتعقيداً؟
يعرف المتابعون لهذا الملف أن المشكلة لم تكن يوما في التقنيات التي يمكن تحسينها وتطويرها باستمرار. با هي مشكلة بنيوية تتعلق بضعف الدولة والإطار التشريعي، وبعدم وجود استراتيجية وطنية تحدد المبادئ التوجيهية لكيفية معالجة هذه المشكلات والأهداف البعيدة والقصيرة المدى مع برنامج زمني لتحقيقها، وتحدّد الأولويات والأدوار المركزية واللامركزية الواضحة والاطر التنظيمية والمواصفات... الخ. لذلك، كل استعانة بتقنيات وعقد صفقات، قبل إقرار الاستراتيجية والقوانين الناظمة، هي مجرد مشاريع غير نظيفة لا يبرّأ منها لا «الوطني» ولا «الاجنبي». وتنبغي الاشارة في هذا المجال الى فشل الاتحاد الاوروبي الذي حاول مساعدة وزارة البيئة، قبل ازمة 2015، في وضع ما سُمّي دراسة استراتيجية لتقييم التقنيات المستخدمة في معالجة النفايات، كما اقنعوا الوزارة وبعض مستشاريها بأن القانون يسبق الاستراتيجية… فكانت النتيجة، فشل كل الخطط والتقنيات وعدم إقرار لا الاستراتيجية ولا القانون والوقوع في الازمة والعودة الى خطط الطوارئ، أو ما يسمى الخطط المؤقتة والسيئة... في انتظار المحارق!
ثم كيف يمكن استخدام حجة الأماكن «المنكوبة بيئياً» واقتراح زيادة مشاكلها ونكبتها؟ سبق أن استخدم هذا المنطق في مكب النورماندي بعد الحرب، وكانت النتيجة استيلاء شركة «سوليدير» على الاراضي والاملاك العامة. وهذا ما حمس المحيطين بـ«أماكن منكوبة» في صيدا وبرج حمود (تتملك بلدية برج حمود 97400 م2 من الارض المردومة) والجديدة (تتملك البلدية 119500 م2) والكوستا برافا (لم يعرف حجم المساحة لبلدية الشويفات) وغدا في طرابلس... الموعودين بمراكز تجارية خاصة على الشاطئ العام، بدل المكبات. فما هذه الحجة التي لا تصنع «عجة»؟! وللحديث صلة.