«لقد حمّلني فخامة الرئيس تحيّاته إلى القيادة الإماراتية الرشيدة، مُستذكراً بالخير والوفاء الراحل الكبير صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة ورائد وحدتها، الذي كانت لوقفاته إلى جانب لبنان الشقيق الأصداء الإيجابية التي لا تزال ترسم أُسس العلاقات بين البلدين الشقيقين». كان ذلك تصريح المندوب الإماراتي في بيروت حمد الشامسي، بعد لقائه الرئيس ميشال عون، في 10 تموز الجاري. أتت الزيارة والكلام اللطيف المُرسل إلى الدولة الخليجية «غير الصديقة»، في وقت يقبع، منذ شباط الماضي، ستة لبنانيين في السجون الإماراتية، من دون تُهمة واضحة بحقهم، سوى ما تقول السلطات الإماراتية إنّه اعتقال على «خلفية أمنية». وتقوم هذه السلطات بتهديد أهالي الضحايا لعدم إثارة المسألة في الإعلام... «وإلّا». والمؤسف، أن هؤلاء الأهالي، ما كان منهم إلا أن «ينتفضوا» ضدّ وجود وسائل الإعلام، حين زاروا وزارة الخارجية، رافضين تصويرهم.ما يحصل في أبو ظبي، منذ شباط الماضي، ليس إلا حلقة من سلسلة «الاعتداءات» الإماراتية بحق المغتربين اللبنانيين. وعلى رغم ذلك، يُستقبل حمد الشامسي، الديبلوماسي صاحب الخلفية الاستخباراتية، مُعزّزاً في المقرات الرسمية، ومُكرماً في المناسبات الاجتماعية، في وقت كان يجب أن يُرفض استقباله أو يُستدعى من قِبل وزارة الخارجية للسؤال حول ما يحصل مع اللبنانيين في دولته، وتحميله رسالة احتجاج. لا أن تستمر الدولة اللبنانية، في حشر نفسها في موقع «الضعيف» أو تنحصر الإجراءات ببيان تصدره وزارة الخارجية، أمس، تُخبرنا فيه «أنّه وبعد مراجعتها للسلطات الإماراتية المختصة، والتي أفادتها بأنّ اللبنانيين الستة الموقوفين لديها رهن التحقيق في ملّف أمني، قد تمّت إحالتهم إلى المحكمة المختصة للبتّ بالتهم الموجهة إليهم، مع ضمانها حق الدفاع المشروع للمتهمين أمام المحكمة». بيانُ «رفع العتب»، يأتي بعد خمسة أشهر من الصمت، مع العلم أنّ الموضوع «أكبر» من الدوائر الإدارية والديبلوماسية، وحلّه يجب أن يكون على مستوى الدولة، وبغطاء سياسي رفيع المستوى، وهو ما لم يكن متوافراً، حتى يومنا هذا.
المفارقة، أن المسؤولين اللبنانيين يتذرعون دائماً بأنّ لبنان أضعف من أن يقف بوجه الدول الخليجية. ولكن كيف غُضّ الطرف عن العلاقات الثنائية مع السعودية، حين أهانت الأخيرة الكرامة الوطنية لكل مواطن لبناني، باعتقالها سعد الحريري مُجبرةً إياه على الاستقالة، وجرت مواجهتها بالوسائل السياسية؟ وكيف تمكّنت وزارة الخارجية، مدعومةً من رئاسة الجمهورية ومن قوى سياسية أخرى، من وضع حدّ لعنجهية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ردّاً على طريقة مقاربتها لملّف النازحين السوريين في لبنان، وتوقف طلبات الإقامة لموظفيها؟
من الواضح أن هناك ازدواجية في التعامل مع هذا النوع من الملفات، فتارةً تكون للدولة هيبة، وتارةً أخرى تبدو مُتخلية عن واجباتها وضعيفة.
القصّة بدأت في 15 كانون الثاني، حين أوقفت السلطات الأمنية الإماراتية أحمد نمر صبح (48 سنة) وعبد الرحمن طلال شومان (38 سنة) وحسين محمد بردى (36 سنة) وجهاد محمد علي فواز (51 سنة). وفي منتصف شباط الماضي، أوقف كلّ من محسن عبد الحسين قانصو (36 سنة) وحسين إبراهيم زعرور (36 سنة). عائلات الأهالي تبلغت أنّ الاعتقال جاء على خلفية أمنية، علماً أنّ مصادر ديبلوماسية مُتابعة أبلغت «الأخبار» أنّ التوقيف «حصل من دون سبب أمني، ولا يوجد قضية أصلاً». ليس مُستغرباً أن يكون الملّف «فارغاً»، فمنذ أن شرعت الإمارات بتنفيذ الإبعاد بحقّ اللبنانيين، كانت ترتكز في ذلك على معلومات من وسائل التواصل الاجتماعي و«داتا» المعلومات الأمنية الإنكليزية والأميركية.
تُحاول مصادر في «الخارجية» التبرير أنّه «أثرنا الموضوع مراراً، من خلال المراسلات. كان الإماراتيون يقولون إنّهم لم يستلموا المراسلات، وأنّ الإجراءات الإدارية تأخذ وقتاً». لا تعلم المصادر ما «كان يُمكن القيام به، إدارياً، أكثر من وضع الأمر على سكّة المتابعة»، مُعتبرةً أنّ تحويل الشباب إلى المُحاكمة «تقدّم، حيث سينالون حقّ الدفاع عن أنفسهم، ونفهم عندئذٍ ما هي التُهم الموجهة إليهم».
ولكن، إذا كان من «إنجاز» يجب أن يحصل، ويُحتفل به، فهو الضغط من أجل إطلاق سراح المُعتقلين الستة قبل الوصول إلى هذه المرحلة «المتقدمة»، التي لا نعرف كم ستطول وما الذي ستُرتبه على وضع الشباب. وغير صحيح أنّه لم يكن باستطاعة «الخارجية» أن تقوم بأكثر من المتابعة. ففي ظلّ بطء سير المراسلات والمعاملات الإدارية بين الدول، وتعامل الدول الخليجية (وإحداها الإمارات) مع لبنان بفوقية، يجري الاتكال على علاقات الديبلوماسيين الشخصية في دول خدمتهم، والنفوذ الذي قاموا بمراكمته أثناء قيامهم بمهامهم، لفتح كوّة في جدار الأزمة. وفي هذه الحالة، لا الدولة تحركت، ولا الغطاء السياسي توافر، ولم تكن الديبلوماسية اللبنانية في أبو ظبي على المستوى المطلوب.
تؤكد مصادر ديبلوماسية أنّه لا يوجد قرار بالتصعيد مع الإمارات، على رغم امتلاكنا الكثير من الأسباب المُبرّرة لذلك. فتذكر إضافةً إلى ملّف المعتقلين الستة، عدم الموافقة على تعيين نائب القنصل اللبناني في دبي، والصعوبة في حصول الديبلوماسيين اللبنانيين على تأشيرات دخول إلى الإمارات، وعدم دعوة البعثة الديبلوماسية اللبنانية إلى الأعياد الوطنية الإماراتية. «إذا لم نُطبق سياسة المُعاملة بالمثل مع الدول العربية، فلا نتوقع تحقيق الكثير»، تقول المصادر. مسألة المعتقلين الستة في الإمارات، والتضييق على المغتربين في دول أميركا اللاتينية، وقضية المغترب قاسم تاج الدين (موقوف في الولايات المتحدة)، وحتى سجن اللبناني نزار زكا في إيران، كلّها أمور تستدعي السؤال عن تقصير الدولة تجاه مواطنيها، وغياب أي استراتيجية لبنانية في التعامل مع أبنائها، المتروكين إلى حال سبيلهم.