منذ أكثر من أسبوع، نجح وزير الصحة غسان حاصباني بتأجيل أزمة أدوية كبيرة كانت ستسبب كارثة صحية لمرضى الأمراض المستعصية بعدما انقطع عدد كبير من هذه الأدوية لمدة شهر. التلويح بعدم دفع مستحقات عام 2017 للشركات ما لم تسلم دفعة أدوية جديدة، أجبرها على الانصياع لطلب الوزير. ولكن كلما طال أمد تشكيل الحكومة، تضاعفت أزمة الوزير القواتي الذي لا قدرة له على تأمين الأموال اللازمة من احتياطي الموازنة. ولا يمكن للشركات بأي حال من الأحوال الاستمرار بتسليمه الأدوية من دون مردود مباشر، ولا سيما أنها لم تحصّل حتى الآن أياً من مستحقات العام الماضي. فكيف إذا تراكم الدين فوق الدين؟أزمة صحية كبيرة تلوح في أفق حاصباني، سببها الرئيسي سوء إدارته للوزارة. ديون العام الماضي التي فاقت الـ 80 مليار ليرة معطوفة على الديون المستجدة نتيجة صرفه كل موازنة الدواء (158 مليار ليرة) ستصل سريعاً الى مبلغ 100 مليار ليرة، بحسب المصادر. لذلك «تهديد» حاصباني بعدم دفع ديون شركات الأدوية المستحقة على وزارته منذ العام الماضي، «لن يجبرنا في الأيام المقبلة على تسليمه دفعات إضافية لأن شركاتنا ستدخل بعجز هي الأخرى». وهذا ما قد يؤدي الى انقطاع عشرات أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية الضرورية جداً لإبقاء حالة المريض مستقرة.
يمكن للدائرة الإعلامية في القوات دعم حاصباني عوض التدقيق في سلوك وزيرها «النظيف والشفاف»، لكن هل يعني ذلك أن «إنجازاته» كانت بتوجيه وغطاء من قيادته الحزبية؟ يصدف أن مديرة مكتب وزير الصحة (أ. خ.) التي لا يتحمل حاصباني مسؤولية تعيينها لأنها تنتمي الى المجموعة العاملة في معراب، أوقفها عناصر أمن الدولة منذ نحو شهر لمدة 10 ساعات هي وأحد العاملين لديها ويدعى (ع. ش.). وجرى التحقيق معهما حول «بيع أدوية بطريقة غير شرعية». لاحقا، أفرج عنهما، لكن منع (ع. ش.) من الدخول الى الوزارة لمزاولة عمله في مكتب الوزير (سبق لوزير الصحة السابق وائل أبو فاعور أن منعه من دخول الوزارة لأسباب مماثلة). أما ملف الأطباء المتعاقدين، فحدث ولا حرج:
استبدال الطبيب المتخصص بالـ»hepatitis C” أنطوان أبي راشد وهو المسؤول عن هذا الملف في الوزارة منذ سنوات طويلة بطبيب أقل خبرة من آل جعجع.
تسليم حاصباني ملف مراقبة المستشفيات الى شركات التأمين( TPA ) بدل أطباء الوزارة.
وضع عشرات الأطباء المتعاقدين من دون عمل، ولكن رواتبهم لا تزال سارية على طريقة المياومين في الدولة. وعوضاً عن ايجاد حل لمشكلة فائض الأطباء العاطلين من العمل في الوزارة ، ارتأى حاصباني زيادة العبء عبر التعاقد مع أطباء جدد «يدور معظمهم في فلك القوات». لم تمض فترة أسبوع حتى جرى تعيينهم كرؤساء أقسام في الأقضية مكان الأطباء العونيين وغير العونيين. فيما لو كانت النية فقط تبديل الأطباء، لكان لجأ الوزير الى أطباء الوزارة عوض الاستعانة بأطباء من الخارج وزيادة مصاريف وزارته المديونة. ففي المتن الشمالي، عيّن أنطوان حبشي بدلاً من ميشال خوري، وفي البترون عيّن وسام سعادة بدلاً من جوني ابراهيم، وفي زحلة نبيل ترشيشي بدلاً من وليد عبدو. كذلك تم نقل جود حرب من البترون الى طرابلس وتعيين بشارة عيد طبيب قضاء في طرابلس.
تعاقدت وزارة الصحة مع 75 مراقباً صحياً لمدة عام في إطار حملة الوزير وائل أبو فاعور لسلامة الغذاء، وذلك بقرار من مجلس الوزراء. وبعد انتهاء المدة، أعاد حاصباني التعاقد مع 75 آخرين من دون الرجوع الى مجلس الوزراء، فيما تم توظيف البعض منهم خلافاً للقانون الذي يحدد إذن مزاولة مهنة المراقب الصحي ويفرض عليه أن يكون حائزاً شهادة جامعية في الغذاء او السلامة الغذائية أو ما يعادلها، علماً بأن هذه العقود تلزم الوزارة بتسجيل الموظفين في الضمان ولو أن عقودهم مؤقتة يمكن فسخها في أي وقت. رغم ذلك، ارسلت الصحة اثنين من مستخدميها (ج. غ.) و(أ. ح.) على نفقتها للمشاركة في دورة تدريبية في الصين، فيما كان الأجدى تطوير قدرات الموظفين في ملاك الوزارة. وتفيد المعلومات بأن قسماً كبيراً من «عقود شراء الخدمات» أجرتها الوزارة مع مراقبين، إما ينتمون إلى حزب القوات أو من المناصرين، وبعضهم من أصحاب السوابق كالمراقب (ش. ف.) الذي سجن 3 سنوات بتهمة بيع الشهادات الصحية وسرقة الأختام فتمّ استبداله. كذلك وظفت الوزارة (ل. ر.) قريبة أحد مرشحي القوات، كمراقبة صحية عن عمر يتخطى الخمسين عاماً، رغم أن شروط التعاقد تلزم الوزارة بأشخاص ما دون الـ 44 عاما حتى يتمكنوا من الخدمة 20 عاماً في ملاك الإدارة العامة. وحازت (ل. ر.) أيضاً منصب رئيسة دائرة الرقابة على المؤسسات العامة خلافاً للقانون الذي ينص على أن يشغل هذا المنصب إداري، وليس طبيباً فنياً. وتشمل صلاحيات هذه الوظيفة الاطلاع على كل محاضر المستشفيات الحكومية ومراقبتها.
أوقف أمن الدولة مديرة مكتب حاصباني وجرى التحقيق معها حول بيع أدوية بطريقة غير شرعية


تشير مصادر في الوزارة إلى أن الاستنسابية في التوظيف والتعاقد تنسحب على المكافآت السنوية التي «توزع من دون تقويم جدي للموظفين من قبل رؤسائهم». ما عدا أن «مكافآت 2018 التي وزعت عن العام 2017 استفاد منها بعض الموظفين الذين لم يقوموا بأي عمل في هذا العام». وتضيف المصادر أن قرار توزيع المكافآت اتخذ «طابعاً حزبياً واعترض عليه رؤساء الدوائر والأقسام في الوزارة. لكنهم أجبروا على تسجيل القرار وإرساله الى وزارة المالية تحت طائلة فسخ العقود معهم إن رفضوا الانصياع للأوامر».
منذ عامين أو أكثر، صدر قرار بمنع المستشفيات الحكومية من القيام بعقود شراء خدمات موظفين من دون الرجوع الى مجلس الخدمة المدنية. إلا في حالة واحدة وهي الاستعانة بممرضين لأن العدد الموجود في هذه المستشفيات لا يكفي. الا أن المستشفيات الحكومية في عهد الوزير القواتي تجري عقوداً عشوائية كما يحلو لها من دون الرجوع الى مجلس الخدمة المدنية.
عزل أحد الناجحين في مباراة الخدمة المدنية (محمد دبوسي) عن وظيفة محاسب في ملاك مستشفى صيدا الحكومي والموافقة على «شراء خدمات» مستخدم آخر مكانه لأسباب مجهولة.
تعيين محمد الجراح المتعاقد في وزارة الصحة كمفوض حكومة في مستشفى “أورانج ناسو» خلافاً للقانون: أولاً لأنه ليس موظفاً من الفئتين الثانية والثالثة كما يشترط القانون لهذا المنصب، بل مجرد موظف متعاقد مع الوزارة، وثانياً لأنه من البقاع الغربي وليس من طرابلس حيث يقع المستشفى. بالمناسبة، محمد الجراح هو أحد أقرباء وزير الاتصالات جمال الجراح.
من واجب أي وزير نشيط أن يبادر الى اجراء استقصاء أسعار للأدوية أو مناقصات جديدة لتخفيض سعر الدواء قدر الامكان. وفي هذا السياق، آخر مناقصة واستقصاء للأسعار جرت في عهد وائل أبو فاعور، فيما انشغال حاصباني بـ»مكافحة الفساد» حال دون ذلك. أما أسعار الدواء التي انخفضت ويتباهى فيها حاصباني على أنها انجاز شخصي، فهي ليست سوى نتيجة انخفاض سعر اليورو في دول المنشأ. وتجدر الإشارة هنا الى أن انجاز الوزير القواتي شبه الوحيد في ملف الأدوية، باستثناء انقطاع أدوية الأمراض المستعصية والسماح للصيادلة بزيادة مبلغ 750 ليرة على أدوية الأوجاع اليومية التي يقل سعرها عن 23 ألف ليرة، شراء دواء فيروس الالتهاب الكبدي أو الـ»hepatitis c» من احدى شركات الأدوية التي تفيد المعلومات بوجود بعض الشركاء فيها من حزب القوات؛ برغم عدم دخول هذه الشركة في عروض المناقصات التي أجريت في عهد أبو فاعور لأنها غير مستوفية للشروط.