جرى في اليومين الماضيين، التداول على نطاق واسع عبر وسائل التواصل، بكتاب ارسله سفير لبنان في طوكيو نضال يحيى الى وزارة الخارجية والمغتربين يتناول خطورة المكسّرات اللبنانية، وبخاصة الفستق الحلبي المحمص، التي تمنع السلطات اليابانية استيرادها بعدما اجرت أبحاثاً كشفت احتواءها مواد مسرطنة، طالباً احالة كتابه الى وزيري الزراعة والصحة واللبنانيين.وبحسب الرسالة المؤرخة في 19 نيسان الماضي (رقم 228/أ.ع/9)، فإن يحيى استوضح عن سبب غياب المكسرات اللبنانية عن السوق اليابانية، وجاءه الجواب من عميد الجالية اللبنانية هناك المحامي فؤاد حداد بأن اليابان «أجرت أبحاثاً طبية قبل عشرات السنوات على الفستق الحلبي المحمص واكتشفت أنه يحوي نوعاً من العطنة تنمو وتعشش داخل غلافه وتتسبب بأمراض سرطانية». ولدى السؤال عن الفستق الموجود في الأسواق اليابانية، جاءه الجواب بأن مصدره الولايات المتحدة، ويتم استيراده «بأعلى مواصفات التحميص والتبخير وفق شروط تضعها وزارة الصحة اليابانية».
وفي ظل عدم الوضوح في نص الكتاب والاتجاه إلى التعميم، عمدت وزارة الاقتصاد، بحسب مصادرها، إلى أخذ عينات من «كل السوق اللبناني والمحامص» لفحصها. ووفق المديرة العامة في الوزارة عليا عباس فإن الاحتمال الأكبر «أن تكون المشكلة في طريقة تخزين الشحنة المذكورة، خصوصاً أن اليابان بلد بعيد، ولأن الحرارة والرطوبة تسببان معا بإفساد المكسرات». وأوضحت أن الخطأ في شحنة واحدة «لا يعني أن تكون كل مكسراتنا على هذا النحو»، لافتة إلى «أن عينات دورية تؤخذ من المحامص وهذه المرة ستشمل كل المناطق».
في كتاب الى وزير الخارجية والمغتربين، أمس، أكدت شركة محمصة الرفاعي ان كتاب السفير اللبناني في طوكيو «غير دقيق إطلاقاً ويفتقر الى معلومات علمية، ولغياب الادراك التام للاجراءات الصارمة في مرافق ونقاط العبور اللبنانية». وحذرت من «تأثيره السلبي على قطاع الغذاء».
المهندسة في سلامة الغذاء ومسؤولة قسم النوعية في الشركة، هلا رومانوس، أوضحت أن المادة المقصودة في الكتاب (العطنة) والتي تسبب السرطان هي «الأفلاتوكسين»، وهذه مادة سامة تنتج عن تكاثر نوعين من العفن الفطري: Aspergillus flavus و Aspergillus parasiticus. وهذه الأعفان قد تصيب محاصيل مثل الفول السوداني، المكسرات، الذرة، القمح، الأرز، الشعير، البذور الزيتية، التمور، الفواكه الملوثة والقھوة في حال تعرضت للحشرات والقوارض أو للتلف نتيجة عمليات الحصاد أو إذا كانت مخزّنة في ظروف غير ملائمة مثل الرطوبة أو الحرارة المرتفعة». وبما أن تناول كميات كبيرة من هذه المادة من خلال المكسرات أو الحبوب على المدى الطويل يسبب السرطان، لفتت رومانوس الى أن الرقابة على هذه المادة ونسبها وشروط تخزين المكسرات والحبوب، «مسألة مثارة منذ زمن حول العالم ولها نسب محددة يجب ألا تتخطاها تختلف بحسب شروط كل بلد نصدر اليه منتجاتنا كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا والصين». وأكدت أن التشريع في لبنان في هذا الشأن «صارم ويتبع شروط الاتحاد الأوروبي». وفي ما يخص اليابان أشارت رومانوس الى أنها «تستورد المواد الخام في المكسّرات والحبوب من نفس المصادر التي تستورد منها محامص لبنانية، إضافة إلى أن شروط اليابان ليست أقسى من شروط الاتحاد الأوروبي». وأكدت أن مراقبة هذه المادة تختلف بحسب شروط المؤسسات، فمنها «من يُلزم بلد المنشأ الذي يستورِد منه الحبوب الخام بشروطه الخاصة، ومنها من يجري فحوصات مخبرية دورية لفحص المنتجات داخل مصانعه».
شركة محمصة الرفاعي اكدت ان كتاب السفير اللبناني «غير دقيق إطلاقاً ويفتقر الى معلومات علمية»


لكن من يضمن أن تكون كل المصانع والمحامص تطبق سياسات داخلية صارمة؟. الحل، وفق رومانوس، عبر الفحوص الدورية التي تجريها الوزارات المعنية إضافة إلى الحجر على شحنات المواد الخام عند استقبالها في لبنان وإجراء اختبارات لمادة الأفلاتوكسين في مختبرات معتمدة من قبل الدولة. أما الأهم فيقع «على عاتق المستهلك الذي يفترض أن ينتبه إلى شرائه المكسرات والحبوب من مصادر موثوقة»، مشيرة إلى شروط يجب التنبّه إليها منها «أن لا تكون المكسرات مصابة بغلافها الخارجي وهذا يعني تعرضها للقوارض والحشرات، تشكّل العفن فيها، إضافة إلى تخزينها في منزله بطريقة صحيحة في أماكن مغلقة لا تصل إليها الرطوبة والحرارة».
يشدد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برّو على «صرامة مراقبة مادة الأفلاتوكسين وضرورة أن تكون نسبها منخفضة جداً، خصوصاً أن استهلاك اللبنانيين للمكسرات عادة متأصلة وبكميات كبيرة على عكس أوروبا مثلاً، مما يفرض صرامة أكبر لدينا». ورأى «أن مراقبة الحبوب بما فيها نسب الأفلاتوكسين من مهام وزارة الزراعة»، لافتاً الى الشكوك حول «آثار مبيدات على حبوب مستوردة ومحاولات سابقة لإدخال شحنات غير مطابقة». كما أشار إلى «أن المصانع التي تملك شهاد الـISO، قليلة مقارنة بعدد المصانع الموجودة، إضافة إلى الفلتان في التجارة والاستيراد والتصدير».