دخلَ تكليف الرئيس سعد الحريري شهره الثالث، من دون أن تتوافر حتى الآن أية أرضية سياسية ثابتة لولادة «حكومة العهد الأولى». أزمة التأليف لا تحمِل في طيّاتها حسابات داخلية، وحسب. لا شكّ في أن جوهرَها يتصل بأسباب خارجية. من جهة، ينتظر الرئيس الحريري إشارة سعودية لم تأتِ حتى الآن. ومن جهة أخرى، يعتبِر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن هناك أطرافاً خارجية تسعى إلى ضرب عهده وتعطيله. ضغطٌ يفاقمه الحديث عن عقوبات أميركية جديدة على حزب الله. عملياً، يقف الجميع في مواجهة أزمة سياسية ــــ دستورية يصعُب التكهن بأفضل المخارج وأسهلها لتخطيها. لا أحد يُريد التنازل عن مطالبِه. لا أحد يستطيع تقييد الرئيس المكلف بمهلة زمنية. في النتيجة، يتصرف الجميع على أساس أن هذه الحكومة الآتية، سيكون عمرها طويلاً (حتى نهاية العهد)، وبالتالي أي تساهل قد يؤدي إلى خسارة ما يمكن تثبيته في سلطة ستحكم البلد لمدة أربع سنوات.
وفيما أكد الحريري من بعبدا، أمس، أنه «مُتفائل أكثر من أي وقت مضى»، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أمس، في لقاء الأربعاء النيابي إنه «ليس لديه مُعطيات جديدة حول عملية تأليف الحكومة، عسى أن يحمِل لقاء الرئيسين (عون والحريري) بشائر الخير». كذلك كان حال أجواء الكتل النيابية المعنية بالعقد التي تحول دون ولادة الحكومة حتى الآن. هذه الكتل لاحظت أن محركات التأليف الحكومي «ما زالت متوقفة». فقد أكدت مصادر معراب لـ «الأخبار» أن الأمور «مجمدة». وأن «القوات» أودعت وجهة نظرها لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، وقالت: «استناداً إلى معيار النسبية الذي حدده الوزير جبران باسيل، طالبنا بخمس حقائب وزارية، وكلام رئيس القوات الدكتور سمير جعجع عن استعداده لتدوير الزوايا يعني أن لدينا نية للتنازل إذا قرر الطرف الآخر أيضاً تقديم تنازلات، وإلا فسنبقى على موقفنا». وقالت المصادر إن القوات اللبنانية قدمت أفكاراً عدّة يُمكن تبنّيها، كالقبول بأربع حقائب، بينها واحدة سيادية، وخلُصت إلى القول إن المشكلة «لم تُحَلّ بعد، لا كماً ولا نوعاً».

جنبلاط: لا صيغ معروضة علينا
في السياق الحكومي، بدت هموم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أمس، أكبر من موضوع تأليف الحكومة. فقد أبدى جنبلاط توجّسه وخوفه الشديدين من المجزرة التي ارتكبها تنظيم «داعش» في السويداء وذهب ضحيتها 215 شهيداً وأكثر من 180 جريحاً. عدد الضحايا أشعره بخطر كبير. وسأل: «كيف وصلت بهذه السرعة تلك المجموعات الداعشية إلى السويداء ومحيطها وقامت بجرائمها قبل أن ينتفض أهل الكرامة للدفاع عن الأرض والعرض؟ أليس النظام الباسل الذي ادعى بعد معركة الغوطة أنه لم يعد هناك من خطر داعشي إلا إذا كان المطلوب الانتقام من مشايخ الكرامة؟». وفي تغريدة لاحقة، تمنى جنبلاط «للمرة الثانية من القيادة الروسية حماية مشايخ الكرامة من انتقام النظام وغدره وحفظ كرامة مشايخ الكرامة، والاخذ بعين الاعتبار مطالبهم المحقة»، وختم «إذا ضمن الروس خروج الجرحى فان مستشفيات لبنان بتصرفهم».
ومن جرح السويداء إلى «جرح الحكومة»، يزداد تخوف جنبلاط من ارتدادات الاحتقان المتصاعد على خلفية الاشتباك السياسي المفتوح بينه وبين رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان. لا يُريد جنبلاط أن تتدحرج كرة نار الاشتباك إلى قواعد الطرفين المحتقنة في الجبل. لذلك، يتمسّك الرجل بحصته الحكومية من جهة، ولكن خطه الأحمر هو عدم الانزلاق إلى أية فتنة داخل الطائفة الدرزية من جهة أخرى.
وأكدت مصادر في كتلة اللقاء الديمقراطي لـ «الأخبار» أن أحداً «لم يأتِ إلينا ويعرض علينا صيغاً جديدة، فلا أفكار أو مقترحات يمكن مناقشتها. وعلى أساس ذلك نحن كنا ولا نزال متمسكين بموقفنا». وقالت المصادر: «لسنا في جو وجود صيغة حكومية جديدة كما يُحكى في القصر الجمهوري». وتوقعت أن يحصل تواصل بين الحريري وجنبلاط في وقت قريب.
وكان اللقاء الديمقراطي قد أكد بعد اجتماعه أمس في كليمنصو، أنه «يجب الإسراع بتأليف الحكومة، وعدم إضاعة الوقت خلف حجج واهية، والترفع عن الخلاف، واعتماد الموضوعية وفق معايير واضحة لإنجاز التأليف بعيداً عن مبدأ الأكثرية والأقلية».
مصادر دبلوماسية روسية: على اللبنانيين أن يوحِّدوا موقفهم من الطرح الروسي لعودة النازحين


من جهة أخرى، استمرت المناوشات على جبهة سعد الحريري ــــ النائب جميل السيد. الأخير، ورداً على ما قاله الحريري بأنه «ليس ملزماً بأي مهلة»، قال في تغريدة عبر «تويتر»: «112 نائباً كلّفوك تأليف الحكومة باسم الشعب. كلامك هذا ليس بطولة ولا مرجلة، كلامك إهانة وتحقير للنواب والبلد والناس». فردّ الحريري عليه من قصر بعبدا قائلاً: «جميل السيّد جاء ليعلّمني الأخلاق ولن أردّ على شخص كهذا».

حسين الحاج حسن في دمشق
من جهة أخرى، وفي ظل تأكيد أطراف لبنانية على «حتميّة معاودة التنسيق مع الدولة السورية، وربط أي عودة للنازحين بضرورة المرور عبر القنوات الرسمية بين بيروت ودمشق، زار وزير الصناعة حسين الحاج حسن مقر وزارة الصناعة السورية في دمشق، حيث عقد اجتماعاً مع نظيره السوري محمد مازن علي يوسف في حضور الوفد اللبناني. وشدد الحاج حسن على «عمق العلاقات بين البلدين»، مشيراً إلى أن قسماً من اللبنانيين «غير مقتنع بذلك، لكنه سيقتنع ويغير موقفه عاجلاً أو آجلا». وقد علقت أوساط رئيس الحكومة على هذه الزيارة بالقول إن الهدف منها إحراج الحريري وحكومته، ولا سيما أننا ملتزمون سياسة النأي بالنفس أمام المجتمع الدولي.

وفد روسي في بيروت اليوم
وفي سياق آخر، وبعد أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية إرسال فرق عمل إلى لبنان والأردن وتركيا للعمل على عودة اللاجئين السوريين، أكدت مصادر قصر بعبدا تعليقاً على مهمة الوفد الروسي الذي سيزور لبنان، اليوم، أن الموقف الرسمي اللبناني «سيكون موحداً بناءً على الطرح الذي سيقدمه الوفد الروسي الذي يترأسه الموفد الرئاسي الخاص ألكسندر لافرنتييف». وسيضم الوفد الروسي، الآتي من دمشق بطائرة روسية خاصة، 14 شخصاً بين مدني وعسكري، وسيعقد الاجتماع الموسع عصر اليوم في القصر الجمهوري ويترأسه عن الجانب اللبناني رئيس الجمهورية بحضور رئيس الحكومة والوزراء المعنيين والقيادات العسكرية والأمنية.
وأشارت مصادر دبلوماسية روسية لـ «الأخبار» إلى أن المشكلة في ملف عودة النازحين السوريين هي عند الجانب اللبناني، «فروسيا تعرف ماذا تريد، وكذلك الدولة السورية، لكن على اللبنانيين أن يتوحدوا وأن يكون موقفهم واحداً من الطرح الروسي وآلية التعاطي مع ملف عودة النازحين». وأكدت أن روسيا ليس لديها خطة خاصة بلبنان، «بل برنامج عمل يشمل كل الدول التي لجأ إليها النازحون السوريون».
وكان الحريري قد أشار بعد لقائه عون إلى أن وجود الوفد الروسي في لبنان، اليوم، «هو لاستيضاح ما اقتُرِح، ونأمل أن تكون عودة النازحين إلى سوريا آمنة ومضمونة، وهذا ما سنبحثه مع الوفد»، مؤكداً أن «لا تغيير في موقفي من موضوع النظام السوري، ولكن موضوع النازحين له علاقة بالقوى الكبرى».