العلاقة مع الفنان المبدع متعبة بقدر ما هي ممتعة.ولقد عانيت من علاقتي، مثلاً بالفنان ـ رسام الكاريكاتور ناجي العلي الذي لا مثيل له ولا نظير… ثم تركته هو يحدد مداها، ويتحمل تبعات تقلبات المزاج، والتباين الواسع بين حالة الصحو والزهو بنتاجه الممتاز والذي طالما جعلتني بعض ابداعاته رسماً عن واقعنا السياسي المهين امزق ما أكون قد باشرت كتابته كافتتاحية لـ«السفير».
وحين وفد علينا الفنان متعدد المواهب نثراً وشعراً، مسرحاً وغناءً، عزفاً وتأليفاً، زياد الرحباني، في «السفير» اعتبرنا تلك ساعة سعد، وفرحنا به ضيفاً ثم كاتباً مميزاً بسخريته اللاذعة المعززة بثقافته وطرافته وابتكاراته في الفن والسياسة والهجاء..
ولقد اسعدتنا مشاركة زياد كاتباً، يتمتع بهامش حركة اوسع بكثير من هوامشنا المحكومة بضوابط العلاقات الاضطرارية مع «المراجع» السياسية التي لا يختلف رأينا فيها عن رأي زياد، ولكننا «مجبرون» على مداراتهم بحكم المسؤولية وتأمين التواصل لضرورات مهنية..
كان زياد يقصد الطابق الرابع، حيث كان الراحل جوزف سماحه يتعجل «ابداع» الصفحة الأولى للانصراف إلى الخلان في السهرة التي يتحرر فيها الاصدقاء من هموم العمل ولياقات المجاملات. وحين باشر زياد الرحباني كتابة زاويته اليومية اعتبرنا ذلك «فتحاً جديداً» وإضافة نوعية إلى «السفير»، وكان طبيعياً أن نتساهل معه في ضوابطنا فتكون له «لغته» الخاصة المرتكزة على العامية، اصلاً، وان نغض الطرف عن موعد تسليم المادة، لان للفنان حقوقه في الخروج على الساعة ومنها، وتغليب مزاجه وشروط ابداعه على مواعيد الصف والاخراج والتركيب والطباعة... وكثيراً ما اضطررت إلى النزول اليه في قاعة اعداد الصفحات يسامر المخرجين والعمال وأهل المطبعة، فينسون معه الوقت وموعد الطباعة وتسليم «السفير» لشركة التوزيع.
كذلك فقد أسعدني انني صحبت زياداً في زيارة للسيدة فيروز في بيتها الريفي، واكتشفت تلك العلاقة المميزة بين فنانين عظيمين تختفي معها الرابطة الاسرية لحساب الابداع.
كانت البلاد تشتعل في إوار الحرب الاهلية ومخلفاتها،
وكنا سعداء اننا نعمل في قلب الصعب لمنع الفتنة، وتمويه العدو بالطائفية، وانكار العمالة والتبعية حرصاً على «الوحدة الوطنية»،
وكنا سعداء بالشعار الذي أطلقه زياد بصوت جان شمعون في برنامجهما الصباحي المميز
«قول الله.. بعدنا طيبين!»
■ ■ ■

امس، فاجأني زياد بنشر كلمة عن «أيامه» في «السفير» يسأل فيها عني..
وها انذا، بخير يا زياد، طمنوني عنكم، ولقد افرحتني عودتك إلى بيت الدين مع فرقتك وابداعك وروحك المرحة.
لتكن لك الصحة ليتواصل ابداعك شعراً وموسيقى، كتابة ومسرحاً،
دمت صديقاً مبدعاً، فريداً، يشكل اضافة نوعية متعددة المواهب لهذه الاسرة التي اعطت لبنان بعض مجده وعطر سمعته وتوكيد ابداعه.
ولقد كتبت لك هذه الرسالة لأطمئنك انني بخير، اقرأك وافكر معك..
(نقلاً عن مدوّنة طلال سلمان)