اللجوء إلى الخيارات البديلة في مواجهة حزب الله، مطلب إسرائيلي بات أكثر من ضروري في المرحلة الاخيرة، بعد تعذر المواجهة العسكرية المباشرة، وتلك غير المباشرة، عبر الجماعات الإرهابية المسلحة على اختلاف مسمياتها.الخسارة التي مُنيت بها إسرائيل في الحرب السورية، وتحديداً سقوط رهانها على إمكان «خنق» حزب الله عبر البوابة السورية، لا تعني التسليم ومن ثم البحث في إمكانات تعايش مرفوض مع تهديد يتعاظم شمالاً، بل تعني نقل الحرب من مسرح صراع يتعذر النجاح فيه، إلى مسرح من نوع آخر.
الرهان من جديد على تعزيز العوامل الداخلية المتفجرة في لبنان، وتحديداً ضمن البيئة الحاضنة لحزب الله، لعلها تحقق ما عجزت هي عنه. هي خيارات غير عسكرية بديلة، تقاد عبر الحلفاء الإقليميين والدوليين، وكذلك عبر بقايا المحور المعادي في لبنان، بما يشمل أيضاً مجموعة مغرضين وسذج، يخدمون المصالح الإسرائيلية عن قصد أو بجهالة.
وهذه المعركة تركز تحديداً على بيئة حزب الله، والسعي إلى إيجاد شرخ بينها وبين الحزب، وأيضاً في ما بينها، مناطقياً ومطلبياً وعائلياً. خطة بدأت بالفعل أولى مراحلها التنفيذية مع الرهان هذه المرة على إمكان تحقيق النتيجة التي طالما عجزت عنها إسرائيل جراء القتال العسكري المباشر.
وتعدّ المراكز البحثية في إسرائيل الجهة الرديفة في الإعداد للخيارات العملية في مواجهة الأعداء والتهديدات، بما يشمل بلورتها أمام صناع القرار في تل أبيب. خيارات يمكن تلمّس مضمونها واتجاهاتها عبر ما يصدر عن هذه المراكز، مع تحديد الإمكانات المتاحة نظرياً أمام تل أبيب، وقدراتها الفعلية على تحقيقها. في هذا السياق، صدر عن معهد بيغن ــــ السادات للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة «بار ايلان»، ورقة بحثية للباحثة الأميركية الاسرائيلية ارينا تسوكرمان، عالجت فيها إمكانات نجاح الدعوة الأميركية الأخيرة إلى تشكيل «ناتو عربي»، في مواجهة التداعيات السلبية للعجز العسكري السعودي الإماراتي في تحقيق إنجازات في اليمن. حثّت الورقة على ضرورة مواجهة «حلفاء إيران» في بيئتهم الخاصة، كجزء رئيسي من الشروط الموضوعة لنجاح الحلف والحد من الخسائر في اليمن، مع التركيز على حزب الله في لبنان واستغلال «نقاط ضعفه» في منطقة البقاع، حيث خزانه البشري ومصدر قوته الرئيسي.
تسوكرمان التي نشرت قبل أشهر ورقة بحثية طالبت فيها السعودية بالبحث في الأسباب وراء إخفاقها في استخدام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في ضرب حزب الله في لبنان، بل وإخفاقها في منع توغله (حزب الله) داخل الحكم اللبناني، طالبت في الورقة الحالية بضرورة استغلال الفرصة الكامنة لتحقيق المصالح من خلال منطقة البقاع اللبناني. يرد في الدراسة وجوب مسارعة التحالف (العربي بقيادة السعودية) إلى التدخل في الساحة اللبنانية، وتحديداً في البقاع، لمواجهة نفوذ حزب الله والحدّ منه، عبر إغراق المناطق البقاعية بالمساعدات التنموية والمالية، على أن تكون هذه المساعدات مباشرة من دون وسيط، محددة وموجهة لتحقيق الأهداف.
تنصح الدراسة بضرورة العمل على الخلاف المناطقي، وتحديداً ما يتعلق بالبقاع ومقارنته بغيره من المناطق، في إشارة منها إلى الجنوب اللبناني، مع التأكيد على ضرورة استخدام مفردات المقارنة، التي تشمل تساؤلات حول معنى وسبب أن يكون العناصر المقاتلون في صفوف حزب الله من المناطق البقاعية، بينما الضباط والرتباء من مناطق أخرى ومدن مركزية!
وفي توجه لا يخلو من مبالغة وتحريف حقائق لغايات دفع المواجهة بين الولايات المتحدة وحزب الله، تشدد الدراسة على ما تسميه تعاظم حضور حزب الله في اليمن، ودوره الفاعل في تعزيز قوة ومنعة الحوثيين أمام الائتلاف العربي، ومنعه من تحقيق الإنجازات العسكرية. بحسب الدراسة، فإن التركيز على هذا الجانب من شأنه دفع الولايات المتحدة إلى زيادة تدخلها في الحرب اليمنية، لمواجهة حلفاء إيران فيها، في ظل قرار الإدارة الحالية وضع حزب الله على رأس سلم أولوياتها، وعلى مختلف الصعد وفي أكثر من اتجاه، وكذلك أن يدفعها لتركيز مساعيها على حل الخلافات بين الحلفاء (السعودية والإمارات) لمواجهة التهديدات المشتركة.
تؤكد الورقة البحثية الإسرائيلية التوجه نحو الخيارات البديلة غير العسكرية، بعد اتضاح فشل الرهان على الحرب السورية ضد حزب الله. وبالطبع، أن تحضر مفردة المقارنة بين «البقاعي والجنوبي» لغرض الفتنة، في مقالة أو دراسة إسرائيلية مرموقة، مع الإلحاح على استخدامها باعتبارها أداة مجدية في تحقق هدف إضعاف حزب الله، هي بالتأكيد ليست أمراً عابراً، بل تعكس، بغض النظر عن إمكانات تحققها، وجود رهان إسرائيلي بشأن قدرتها على مواجهة حزب الله، وصولاً ــــ بمعية وسائط أخرى بدأ تفعيلها عملياً ــــ إلى إبعاد بيئته عنه، وخاصة أنه توجد في لبنان أرض خصبة للمغرضين، وللسذج، على حدّ سواء.