بعدَ النتائج المُخيّبة التي حَصَدَها تيارُه من صناديق الاقتراع، باشرَ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بورشة مُحاسبة مفتوحة. في شهر أيار الماضي صدرت عنه سلسلة قرارات بإقالات وبحلّ هيئات وماكينات ومنسقيات. آنذاك، ظنّ المُستقبليون أن الحملة ستمتص نقمة الداخل وتؤسس لأداء مختلف. غيرَ أن «مُعاقبة المسؤولين» عن «مصيبة الانتخابات»، وبدل أن تكون محصورة بمن اتخذ القرارات السياسية ورسم صورة التحالفات، لا من أدار الماكينات على الأرض، ولّدت مصائب أخرى.إنه ثمن الهرب من السياسة في التيار الأزرق. وبدل أن تساعد الإقالات وحلّ المنسقيات في إعادة هيكلة التيار، تنظيمياً وإدارياً، زادت مكامن الخلل، لكأن حالة التشتّت التي أصابت المنظومة الحريرية باتَت عصية على الترميم. أما عناصرها، فبعضهم في حالة عجز وإحباط، وبعضهم الآخر يشعر بالإفلاس لعدم وجود خيارات بديلة. الجميع يفضّل التقوقع والانتظار، فيما رأس الهرم (الحريري) هو الأكثر مساهمة في تعميق الأزمة. إذ ساهمت قرارات الرجل ــــ من حيث يدري أو لا يدري ــــ في إعادة إنتاج الأزمة، عوضاً عن الخروج منها. منذ أشهر، كان الحريري في عيون البعض في التيار وخارجه، بمثابة «القائد الجريء». أما اليوم، فهو «المسؤول عن أولئك الذين كانوا سبباً في مضاعفة الأزمة وهذا الخط البياني للانحدار السياسي والتنظيمي».
الوقائع تبيّن أن ما أقدم عليه رئيس التيار، لم يكُن سوى مبادرة شكلية للتخفيف من النقمة. ترتبط هذه الوقائع بما يجري في المنسقيات، أو ضمن اللجان التنظيمية الثلاث التي سبق أن تمّ تعيينها «بهدف التدقيق والتحقيق في مكامن الخلل»، وصولاً إلى إيلاء هذه المهمة إلى شخصيات، بينها من هو متورط بملفات فساد أو تحوم حوله الشبهات في أحسن الأحوال!
لا يبدو أن شيئاً قد تبدّل في الإمبراطورية الزرقاء المتهالِكة. المسرح نفسه، واللاعبون أنفسهم أيضاً. خطة «التطهير» ليست سوى حبر على ورق. ما نفذ منها فقط هو حلّ هيئة الانتخابات والماكينة الانتخابية، وهما أصلاً ينتهي دورهما تلقائياً غداة الانتخابات، أما كل ما يتصل بحلّ الهيئات التنظيمية القيادية، فلم يدخل حيّز التنفيذ. فالهيئات والمنسقيات تعمل كأن شيئاً لم يكن، بمن فيهم أولئك الذين صدرت بحقّهم مذكرات إقالة، كمنسّق التيار في البقاع الغربي وراشيا محمد حمود. منذ أقل من أسبوعين، أصدر الأخير تعميماً ينقل قرار الأمانة العامة للتيار «بتحديد نهار السبت من كل أسبوع كموعد لاستقبال مراجعات وطلبات الخدمات الخاصة، بحضور نواب ووزراء المستقبل، ومستشارين دولة الرئيس»، علماً أن كلمة «حلّ» التي جاءت في بيان «الأمانة» تعني فض الهيئات والمنسقيات وإنهاء حق أعضائها في تصريف الأمور. فكيفَ يُزاول منسق التيار عمله بعد إقالته؟ وكيف تستمرّ المنسقيات التي حلّها «دولته» في القيام بنشاطاتها، من دون تغيير المنسقين الذين اتهمهم بالتقصير سابقاً؟
يعتبر مستقبليون بأن «أجواء المحاسبة التي أشاعها الحريري بعد الهزيمة الانتخابية، سُرعان ما انتهت إلى انكشافِ الواقع على مزيد من الفوضى». حتى اللجان التنظيمية الموقتة التي تمّ تشكيلها في كل من بيروت والبقاع الأوسط والغربي وراشيا «لم تظهر لها أي مفاعيل على الأرض». يقول أحد الكوادر أننا «لم نسمع حتّى الآن عن عنصر في التيار تمّ استدعاؤه والتحقيق معه»، ويضيف: «هناك قرار غير معلن يقضي بتجميد كل شيء إلى حين عقد المؤتمر العام للتيار»، هذا المؤتمر الذي «تمّ تقريب موعده على أن يحصل خلال سنة».
في المقابل، تسأل مصادر أخرى مستقبلية عن «فائدة تشكيل هذه اللجان وعقد المؤتمر ما لم تتم محاسبة المسؤولين عن هزيمة الانتخابات، وبالتالي الإتيان بفريق شبابي جديد يعيد الجاذبية إلى التيار». مشكلة هذه اللجان لا تتوقف عند عدم فعاليتها، وحسب. فهي تحتاج أيضاً إلى من «ينظفها»، بدليل «تورّط أحد مقرّريها (م. ج.) بملف تزوير شهادات العسكريين لأجل الترقية في إحدى الجامعات الخاصة في العاصمة». وبحسب المعلومات، بادر المقرر إلى الاتصال بالتيار لمساعدته لكن أحداً لم يوفر له التغطية، علماً أنه من المقربين جداً من الأمين العام للتيار أحمد الحريري.
أحد المقررين في اللجان التنظيمية متورط بملف تزوير شهادات العسكريين


ما يزيد الطين بلّة، استعانة سعد الحريري بنبيل يموت (الذي سبق أن أقصاه وزير الاتصالات جمال الجراح عن الوزارة وفسخ عقد الاتفاق معه بصفة مستشار، ثم أعاده إلى عمله بعد ظهر اليوم نفسه بضغط من الحريري). وقد أوكل الحريري إلى يموت مهمّة التدقيق في ثلاثة ملفات لها علاقة بالفساد داخل التيار، واحد منها التحقق من تورّط المقرر (الذي يعمل في إحدى الجامعات) إلى جانب عمل مخابرات الجيش. فكيف يُمكن تصديق أن الحريري يريد محاربة الفساد في تياره بمساعدة «من كان يُدير أمور وزارة الاتصالات بصفقاتها وفضائحها، ويطلق عليه وزير الظل» كما يقول مستقبليون؟
هذه الوقائع رافقتها وسبقتها استقالات لعاملين في قطاع الشباب. بعضهم نشرها على صفحاته في فايسبوك (سارة حموضة، سارة قباني، يوسف حسين، وخالد الأزرق). ومعظمها جاء اعتراضاً على «غياب القيادة الحكيمة، وتحكّم بعض الرؤوس الكبيرة بالكوادر الصغيرة، وعدم السماح لها القيام بعملها كما يجب، مما يشعرها بالغبن». وقد اتهم كوادر القطاع «المنسق السابق وسام شبلي بأن له دوراً في ما يحصل. فهو لا يزال يتدخل في عمل الشباب حتى بعد أن أصبح عضواً في المكتب السياسي». ومن المعروف أن «شبلي كان من بين الأسماء المرشحة للانتخابات النيابية، لكن اسمه سُحب من التداول قبل أيام من إعلان أسماء المرشحين» وقال قيادي في التيار لـ «الأخبار»، إن أحمد الحريري «سيعقد في اليومين المقبلين اجتماعاً بين الأطراف المتنازعة في قطاع الشباب لحّل الخلافات المتفاقمة بينهم»!